اشتهر الروائي السوري خالد خليفة صاحب السجل الأدبي الحافل، بروايته «مديح الكراهية»، التي تناولت أحداث ثمانينيات القرن الماضي في سورية، ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) العام 2008، واعتبرت من «أفضل 100 رواية في التاريخ»، وفق قائمة «ميوزي».
وفي خضم الأوضاع السورية الصعبة، ومن قلب حلب الملتهبة، صدرت روايته «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة»، والتي فازت بجائزة نجيب محفوظ للرواية، ونافست بين الستة الكبار على جائزة البوكر العربية للعام الماضي، ومع أنها لم تتطرق إلى ما يحدث في سورية في السنوات القليلة الماضية، ولا يزال، إلا أنها تحاكي هذا الواقع السوري بشكل أو بآخر .. هو الروائي والكاتب والسيناريست الذي له في كل ركن أدبي أو فني بصمات … معه كان لـ»أيام الثقافة» الحوار الآتي:
• ثلاثة عشر عاماً وأنت تكتب رواية «مديح الكراهية» .. أليست فترة طويلة؟
لقد أصبح الزمن بعيدا، أستطيع أن أقول إنني بدأت أنسى كيف حدث ذلك، وأعتقد أن أية رواية بعد نشرها هي مشروع ندم لأي كاتب، والآن أقول ليتني قضيت عشرة أعوام أخرى في كتابتها، وإن كان زمن الاستغراق في أية كتابة لا يمنحها امتيازا، لكن على الأقل كان سيمنحني فرصة أخرى لوهم جديد بأنه ما دامت الرواية في حوزة الكاتب ولم تنشر، ستصبح بالضرورة أكثر جودة.
• هل ترى أن ما كتبته في «مديح الكراهية» قد ينسحب على الواقع الحالي لسوريا؟
طبعا الظرف مختلف وخلط الأوراق لن يسمح التاريخ به، الثمانينيات شيء مختلف عن وقت الثورة التي بدأت في آذار من العام 2011، ومحاولة خلط الأوراق ما هي إلا محاولة لطمس الحقائق التي مهما طال الزمن ستظهر كل تفاصيلها، لكن تراءى للبعض هذا الشبه بين الزمنين نتيجة خروج كل شيء إلى السطح ودفعة واحدة، من ظلم النظام للشعب السوري بكافة أطيافه ومصادرة مقدراته إلى محاولات تمزيق المجتمع التي بدأت في السبعينيات من القرن الماضي، ولم تتوقف حتى الآن.
الكتابة في الحرب
• كيف يستطيع خالد خليفة الكتابة في ظل الظروف السياسية الراهنة في سورية ؟
في الفترة الأخيرة لم أعد أستطيع الكتابة، يبدو أن الحرب قد تمكنت مني أخيراً، لكن في السنوات الأربع الماضية كنا نحتال على الموت والظروف المعيشية الصعبة، دوماً وجودك في أرضك يمنحك قدرة كبيرة لا يمكن توصيفها أو اختصارها.
ببساطة كتبت رغم كل الظروف، وأنا أحاول الآن أن أعود إلى الكتابة، والموضوع بالنسبة لي يشبه سباق الحواجز، كلما علا الحاجز يجب أن تستعيد عافيتك وقوتك، أنا الآن في الحاجز الأخير وسأحاول التغلب عليه، حتى لو اضطررت للاحتماء بأمكنة بديلة خارج سورية لوقت مستقطع آمل ألا يطول.
السيناريو
• لك تجربة مهمة في كتابة السيناريو سواء مسلسلات أو أفلام .. حدثنا عن أهم تجاربك في هذا المجال وما خصوصية فيلم باب المقام وفيلم الحجر الأسود؟
لا أدري إن كان الموضوع قد أصبح متأخراً جداً، كتبت عددا كبيرا من المسلسلات، وفيلم حجر أسود ميزته أنه التجربة الوحيدة لي للعمل في السينما الوثائقية، وقضيت مع صديقي المخرج نضال الدبس وقتاً طويلاً في اكتشاف الوجه الآخر لمدينة كنت أدعي أنني أعرف كل تفاصيلها.
حقاً كانت تجربة مؤلمة أن ترى كل هذا الخراب وعلى بعد كيلومترات قليلة من منزلك، أما باب المقام فكان تجربة سيئة ومليئة بالأوهام أعتقد بأنني استفدت من سيئاتها إلى أبعد حد.
الموضوع بالنسبة لي في الدراما أو السينما متعلق بالشركاء كونها عملا جماعيا، حتى لو كنت جزءاً رئيساً إلا أنك في النهاية جزء لا تكتمل التجربة دون التكامل بين كل أعضاء الفريق.
شعراء في الأصل
• نلحظ أن العديد من الروائيين هم في الأصل شعراء أو كتّاب سيناريو أو صحافيون بماذا تفسر ذلك؟
لا أوافقك الرأي، في بداية أعمارنا إذا كتبنا مجموعة قصائد أو تمارين لغوية لا يعني أننا أصبحنا شعراء، وبالنسبة لي قدمت إلى السيناريو بعد الرواية، والموضوع ببساطة حاجة الكاتب العربي المادية للعيش، خاصة وأننا ما زلنا في طور التحدث بخجل عن ضوابط للحقوق المادية والمعنوية للكاتب.
روايات الحب
• لم يكتب خالد خليفة روايات الحب والعشق في سنوات الهدوء، هل يمكن أن نرى رواية كهذه في سنوات الحرب ولو من باب الهروب من الواقع الصعب ؟
لا يوجد شيء يسمى هروبا .. الموضوع الذي أريد كتابته يجب أن يمر في أطوار عديدة، لا أستيقظ، وأحدد الموضوع ثم أذهب إلى عملي، لذلك لا أعتبر الكتابة عن الحب هي فرصة رفاهية أو إجازة، أعتقد أنها الكتابة الأكثر عمقاً وألماً للذات البشرية.
السبعينيات والثمانينيات
• ما سر أنك مسكون بحقبة زمنية معينة «سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي» وما رافقها من أحداث ؟
الشغف بما عشته وعاشه جيلي، الحياة التي تبدو لي غريبة حقاً .. ماذا يعني أن تذهبي صباحاً إلى المدرسة وتحيي علم حزب يقمعك ويختصر البلاد به، وفيما بعد تكتشف بأن هذا الحزب قد حقق أهدافه بشكل معكوس، وأقصد الوحدة العربية والحرية والاشتراكية .. إنه الفصام بحد ذاته، أيام لن تنتهي من حياة السوريين، وسيكتب عنها الكثير، بل أستطيع الجزم بأنها ستكون الفترة الأهم للكتابة والأكثر جاذبية.
• البعض يقول إن رائحة الدم تفوح من رواياتك، ما تعليقك؟
لا تعليق لديّ .. كل قارئ يشتم الروائح، ويحفر في النص كما يرغب، ولن أتدخل وأفرض وجهة نظري.
خطوط حمراء
• هل من خطوط حمراء لدى خالد خليفة في روايته عند التطرق للثالوث المحرم «الجنس والدين والسياسة» أو رقابة ذاتية مثلا ؟
أعتقد بأنني لم أساوم على حريتي … لم أفكر يوماً بالمحرمات والممنوعات، ودوماً كنت مستعداً لدفع كل الأثمان.
لا سكاكين
• البعض اتهم رواية «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» بالوجبة الدسمة أي الثقيلة، وبأنها بطيئة الأحداث؟
قلت إنني لن أدافع عن الرواية، ويحق للجميع القول والكتابة والتعليق، وحتى يحق لهم رمي الكتاب من النافذة أو في سلة المهملات، ولن أمد يدي لالتقاط أو مساعدة كتاب قمت بنشره… ولكن أين الاتهام في القول الرواية وجبة ثقيلة؟ .. لا أجد في هذا الوصف أي اتهام.
روائيون كثر
• ما رأيك في ظهور عدد جديد وكبير من كتّاب الرواية هل هو ظاهرة إيجابية أم سلبية، وهل ظهور كتّاب شباب يضر الكتابة؟
نعم وجود عدد كبير من الكتاب سيساعد الرواية العربية على النضوج والتقدم بسرعة، دوماً ننتظر المفاجأة من شاب يعمل الآن على روايته الأولى، وهذا النقاش من المحيط إلى الخليج سيثمر ذات يوم أعمالاً عظيمة ولابد .. شيء رائع أن تصبح الرواية وسيلة تعبير الكثيرين.
• هل الجيل القديم من الروائيين يخاف الجيل الجديد؟
إذا كنت تحسبينني على الجيل القديم فأنا لا أخاف الجيل الجديد، وإذا كنت تحسبينني على الجيل الجديد فأصدقائي من الجيل القديم لا يخشونني، وهذا أعرفه جيداً .. نحن جميعاً في مركب التعلم.
• أخيراً .. السؤال التقليدي: ما جديدك في الرواية أو غيرها؟
رواية جديدة .. ومسلسل صغير في 11 حلقة مع صديقي المخرج هيثم حقي.
نشرت على الايام هنا