القاهرة- بعدما دخلت الأزمة السورية عامها الثالث دونما “حلول سياسية” تُذكر حتى الآن، وبينما تُعلق آمال على “جينيف-2، وفي الوقت الذي يتزايد فيه تعداد القتلى والمصابين، بصورة عطّلت مناحي الحياة كافة في سوريا، فتحت “القاهرة” -كعادتها- ذراعيها للاجئين السوريين؛ ليندمجوا مع القاهريين في أعمالهم، فظهرت المحال السورية المختلفة، وبزغ العديد من السوريين في صناعة الأقمشة والعديد من الصناعات الأخرى.
على الصعيد الثقافي، ومن منطلق كون سوريا قد شكّلت يوما جزءا مُهما في تاريخ الحركة الثقافية العربية، فإن القاهرة واصلت دورها في احتواء “الثقافة السورية” التي لم يعد لها وجود بين أصوات “القصف” ونزيف الدماء الذي يُغرق المشهد السوري، وهو المشهد الذي عبّر عنه صراحة الروائي السوري خالد خليفة، في تصريحات خاصة لـ”العرب الدولية”، قائلا: الناس في سوريا الآن يهتمّون بمحاولة الحفاظ على حياتهم، وآخرون يحاولون الهجرة، بينما لا أحد يهتمّ بالوضع الثقافي.
ومن هذا المنطلق، فتحت دور نشر مصرية ذراعيها للأدباء السوريين، فنشرت أعمالهم بالقاهرة، كما تعتزم دور أخرى عرض أعمال لأدباء سوريين في معرض القاهرة الدولي للكتاب، لتصبح الساحة الثقافية المصرية ملعبا جديدا للأدب السوري؛ إلى حين انتهاء الأزمة السورية.
واللافت للنظر أن “الأدب السوري” قد شهد رواجا في مصر بصورة كبيرة، وليس أدل على ذلك سوى الجائزة التي حصل عليها مؤخرا الأديب خالد خليفة، عن روايته البديعة التي صوّر فيها المُجتمع السوري في فترات عديدة “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”، وهي جائزة “نجيب محفوظ” عن تلك الرواية التي نشرتها دار نشر مصرية هي “دار العين”، والتي أعربت مديرتها الناشرة فاطمة البودي عن فخرها واعتزازها بنشر رواية لكاتب سوري بحجم خالد خليفة، وفوزه بجائزة نجيب محفوظ.
“نوكيا” سليمان
ومن جانبها، قالت المديرة التنفيذية لدار نشر “ليليت” إيمان سعيد، والتي تستعد لإطلاق رواية “نوكيا” للروائي السوري باسم سليمان خلال أيام، أن الأدباء السوريين يلجأون لنشر إبداعاتهم المختلفة بدور النشر المصرية؛ بسبب المشكلات التي تعاني منها سوريا الآن في ظل الازمة الراهنة، وأبرزها المشكلات الاقتصادية، فضلاً عن فرض رقابة على النشاط الثقافي، ومنع نشر بعض الأعمال الثقافية، ومن ثمّ فتحت دور النشر ذراعيها لاستقبال إبداعات هؤلاء الأدباء.
الرقابة في سوريا أصبحت الآن ضعيفة، وتكاد تكون منعدمة، إلا على الأعمال السياسية أو الدينية
وتابعت، في تصريحات خاصة لـ”العرب” الدولية: أول تعامل لدار “ليليت” المصرية مع أدباء سوريين كان من خلال الأديب باسم سليمان الذي يمتلك رؤية أدبية ونقدية، وروايته “نوكيا”، وهو التعاون الذي أسفر عن وجود عروض من عدد من الأدباء والكتّاب السوريين الآخريين، لكن لم يتم البت فيها بعد أو الوصول لاتفاق نهائي إلى الآن. وأشارت “سعيد” إلى أن الباب مفتوح أمام الكتاب السوريين لنشر إبداعاتهم من خلال الدار، والأمر كذلك بدور نشر مصرية أخرى.
تجربة
ومن جانبه، تحدّث الروائي السوري باسم سليمان (صاحب رواية نوكيا) عن تجربته بالنشر في مصر، قائلا في تصريحات خاصة لـ”العرب” الدولية: لا أريد القول إنّ ما دفعني للنشر في مصر هو ما يحدث في سوريا، فمازالتْ هناك دور للنشر تعمل وتطبع في دمشق وأماكن أخرى، لكنّ الجرأة في روايتي جعلت بعض الدور تتعلل وكان ذلك في دور للنشر خارج سوريا، وحدث أنّي تعرفت على دار ليليت، ومديرتها إيمان سعيد، وأبدت تجاوبا ودعما كبيرين، وهكذا وقع الاتفاق، يمكن تسمية ذلك بالأسباب المباشرة؛ في حين طموح أيّ كاتب الانتشار ووصول كتاباته وخاصة للذين يتحدثون معه ذات اللغة، يشكل دافعا للاغتراب بمعناه الإيجابي كما قال أبو تمام: “وطول مقام المرء بالحيّ مخلق.. لديباجتيه فاغترب تتجدد”؛ فالنشر بالدور المصرية، سيكون “دافعة أرخميدس لروايتي ” نوكيا” وهذه من الأسباب غير المباشرة.
وتابع: إن كان بعض الظن إثما، فكثيره ليس بإثم وهذا ما أعوّل عليه، في بلد كمصر رسمت حركتها “التكتونية الثقافية”، تفاصيل أساسية في الحراك الثقافي العربي ومن هنا، أنتظر من القارئ المصري أن يتناول روايتي، فأنا أخ آخر له كما هو آخ آخر لي وليس الآخر هنا هو الجحيم بوجودية سارتر بل التوأمة السيامية بشكلها الأنصع حيث يصبح الصّدى هو الصّوت والصّوت هو الصّدى، ويأتي قيام معرض الكتاب في القاهرة وتواجد الرّواية فيه الخطوة الأولى أو مستصغر شررها وهنا انتظر نارا، صفتها بردا وسلاما على روايتي “نوكيا” وكما هو عنوانها؛ إنّه زمن الاتصالات الفائقة.
دور مصرية
“نوكيا” فتحت الأبواب للأدب السوري للانتشار في القاهرة
ومن جانبه، فإن الناشر السوري، صاحب دار الحافظ السورية للنشر والتوزيع، قد أوضح في تصريحات خاصة لـ”العرب” الدولية أن دور النشر المصرية هي “بوابة النشر” للوصول إلى المثقف العربي، فأغلب المثقفين العرب يحاولون نشر أعمالهم في دور النشر المصرية، والأمر ليس له علاقة بالوضع الاقتصادي أو السياسي في سوريا، ولكنه يتعلق بقوة الحضور لدى دور النشر المصرية.
وتابع: إن الرقابة في سوريا أصبحت الآن ضعيفة، وتكاد تكون منعدمة، إلا على الأعمال التي تتناول شأنا سياسيا أو دينيا، وبالتالي فإن الناشرين يلجؤون إلى دور النشر المصرية؛ لقوتها وليس بسبب الرقابة في سوريا. وأكد “حافظ” إن هناك الكثير من الأعمال التي نشرتها الدار وفرعها بالقاهرة لكتّاب سوريين، مثل كتاب “كيف تختار أصدقائك؟” وهو كتاب جماعي لمجموعة كتاب سوريين، وكتاب “أسهل وأسرع طريقة لحفظ القرآن الكريم” لعبدالرحمن الصباح، لافتا إلى ظاهرة مُهمة جديرة بالرصد، وهي ظاهرة لجوء دور النشر السورية بافتتاح فروع لها بالقاهرة.
“جنسية” دار النشر
وبدوره، فإن الروائي المصري مدحت مطر، صاحب رواية “جزيرة الرعب”، والتي تم نشرها من خلال فرع دار الحافظ السورية للنشر والتوزيع من خلال فرعها بالقاهرة، فيقول، في تصريحات خص بها “العرب” الدولية، إن الفكرة ليست فكرة “جنسية” دار النشر، سواء كانت سورية تنشر لأدباء مصريين أو مصرية تنشر لأدباء ومفكرين سوريين، إذ يظل الأمر مرتبطا في النهاية بالإبداع ذاته، وهل الكاتب يستحق أن ينشر له أم لا؟. وطرح مثالا للأديب السوري “خالد خليفة” صاحب رواية “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” والذي نشرت له دار نشر مصرية عمله، الذي حظي بترحيب شديد بالساحة الثقافية المصرية، وحصل على جائزة نجيب محفوظ، قائلا: “إن خالد خليفة يُعدّ صورة مشرفة للعرب”.