في “مديح الكراهية”، التي وصلت في العام 2008 إلى قائمة البوكر القصيرة، الرواية التي أعادت السرد السوري إلى مادته الخام، الممنوعة والمحتجبة، مسلطةً الضوء على فترة عنيفة، وخطرة من تاريخ الشعب السوري مع نظام الأسد الأب الدمويّ، استطاع الروائي خالد خليفة “سرد تجربة القمع المزدوج من داخل مجتمع محروم من الحرية والديموقراطية، عبر لغة متعددة المستويات، وشخصيات ممزّقة أمام أسئلة المستقبل”، حسبما جاء في تعليق لجنة تحكيم “البوكر” آنذاك.
وبعد مرور 14 عاماً على صدور عمله الراوئيّ الأول “دفاتر القرباط” (2000) التي صاحبت وشهدت على حال فئات سورية مهمّشة وفقيرة، يتألق اسم الروائي السوريّ خالد خليفة، عاماً بعد آخر. راويته الأخيرة “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” بعنوانها الغريب ذي الجرس الصوتي الطويل والمميز، دخلت قائمة بوكر القصيرة للعام الحالي، بعدما فازت بجائزة نجيب محفوظ 2013، علماً أنه سيعلن اسم الفائز بـ”بوكر 2014″ غداً الثلاثاء. “المدن” التقت خالد خليفة في بيروت، وأجرت معه هذا الحوار:
يدور لغطٌ واسع، يرافقه خلافٌ متجدد، كلّ سنة حول المعايير التي تعتمدها جائزة بوكر للرواية العربية، إنْ لجهة كفاءة أعضاء لجان التحكيم، أو علاقتها بالوضع السياسي لكل بلد – رواية، وما يتعلق بحاجات سوق النشر. هل دخلت “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” القائمة القصيرة لهذه السنة، وتأهلت لنيل جائزة 2014، بسِماتٍ أدبيّة وفنية تحميها من سلبية بعض الآراء التي تطعن في قيمة الجائزة؟
خالد خليفة: لا تختلف بوكر العربية عن غيرها من الجوائز في هذه الناحية. أعتقد بأن كل الجوائز تخضع للمعيار نفسه من النقد، كل جائزة لها أنصار يدافعون عن مشروعيتها وأعداء ينتقدونها، وهذا شيء طبيعي وعادي. والبوكر العربية لن تشذ عن هذه القاعدة، خصوصاً أن الحجر الذي رمته في المستنقع الكتابيّ العربي كان كبيراً، لكن الإقبال والشغف في هذه الجائزة لم يتراجع كثيرا،ً رغم كل النقد الذي يطاولها. روايتي في القائمة القصيرة لديها حظوظ متساوية مع باقي الروايات في القائمة القصيرة، لكتّاب مهمّين. يبقى القول إن النقد قد يساعد أي جائزة في التخلص من أخطائها.
تتوازى شخصيات روايتك الأخيرة مع أكثر من حقبة سياسية، سورية وإقليمية. كانت هذه السمة موجودة في “مديح الكراهية” أيضاً. ألا ترى في هذه الموازاة تفوقاً للعنصر السياسي والخبَري على القيمة الأدبية العامة؟ أم أن الابتعاد عن هذه الموازاة يعدّ ابتعاداً عن الحال الاجتماعية في عموم سوريا وحلب خصوصاً، حيث جففت السياسة كل ما عداها وغدت هي المادة الأساس لأي عمل روائي يتناول هذه الفترة المعقدة؟
خ.خ: لا أعتقد أن أحداً يستطيع كتابة عمل عن حياة السوريين خلال الأعوام الخمسين الماضية، ويمارس الحفر في الحياة السورية، من دون أن يحفر في بنية النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي. لم يعش أي واحد من جيلنا، والجيل الذي سبقنا، حياة طبيعية تشبه حياة الكثير من بقية الشعوب. لقد كان تدخل السلطة والحزب الواحد في حياتنا سافراً وشوّه كلّ شيء، لكني لا أعتقد بأن “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” رواية سياسة فقط، هي رواية عن حياة عائلة وشخوص ومدينة وبلد، وتستطيع، إضافة إلى ذلك، قراءتها كما تشاء، لكنها رواية تخضع لمعايير الكتابة أولاً وأخيراً، وهي التي تعنيني في المقام الأول.
لغتك لاهثة وهي تلاحق شخصيات الرواية، وتصويرك لحركاتهم ومشاعرهم حيوي وسريع ومكثف. هل كنت في سباق مع الزمن، سواء الماضي أم الحاضر، وأنت تكتب وتتذكر حالَ حلب وريفها، ثمّ تراقب مصائر أجيال ثلاثة في عائلة يكاد منزلها يكون مشفى للمرضى؟
خ.خ: ما يعنيني هو العمل على كتابة رواية جيدة، وإيقاع اللغة، والتشويق، وباقي العناصر ما هي سوى مفردات لأي عمل جيد، وهي جزء من هذا العمل. لا أعرف كيف أصف علاقتي مع كتابة هذه الرواية بالتحديد، إلا أني أستطيع القول إن حجم الألم كان كبيراً، ومفاجئاً بالنسبة إلي، وكان سؤال واحد مرير يروادني دوماً أثناء الكتابة: هل حقاً عشنا كل هذا الألم؟
كيف تصف علاقتك بفنون التصوير الفوتوغرافي والسينما؟ ألا ترى أن مشهدية سينمائية تكاد تحمل متن الرواية كما لو أنها تتهيأ لتكون فيلماً؟ وكيف يمكن للمكان أن يزودك بعناصر الحبكة؟
خ.خ: علاقتي مع ما ذكرت علاقة هاوٍ، لا أكثر، لكن علاقتي مع الكتابة للتلفزيون والسينما منحتني تقنيات جديدة للرواية تستطيع إعادة إنتاجها في النص.
كيف ترى مستقبل الرواية في سوريا بعد ربيع 2011 وحتى اليوم؟ وهل من تجارب جديدة لفتت انتباهك؟
خ.خ: عموماً الرواية العربية في تطور مستمر ودائم، وخلال الأعوام العشرين الأخيرة، قدمت الرواية العربية إقتراحات ونماذج مهمة، والرواية السورية من ضمن هذا المشروع العربي الجديد، وبعد العام 2011 سيكون هناك، ولا بدّ، شيء جديد، ما زلنا ننتظره. الراوية العربية والسورية بخير.
نشرت على المدن هنا