خالد خليفة: “سنبقى نكتبُ عمّا حدث في سورية لمئتي سنةٍ قادمة”

استضافت كل من  دار الأدب في زيورخ ودار الأدب في بازل في السادس عشر والسابع عشر من مايو الجاري على التوالي الروائي السوري خالد خليفة بمناسبة صدور الترجمة الألمانية لروايته «الموت عمل شاق» الصادرة بالعربية في العام 2016 عن دار إنطوان ــــــ نوفل في بيروت، وهي آخر رواياته الخمس التي أصدرها حتى الآن والأولى التي تتم ترجمتها إلى اللغة الألمانية.

صورة من الأمسية التي انتظمت في زيورخ يوم 16 مايو 2018 ويُرى خالد خليفة في الوسط وهو يجيب عن أسئلة الجمهور. (الصورة من موقع swissinfo.ch)

احتفاء إعلامي خاص

خصّصت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ في عددها الصادر يوم الثلاثاء 29 مايو 2018 جزءًا من صفحتها الأولى وصفحة كاملة من ملحقها الأدبي للحديث عن الكاتب والأديب السّوريّ خالد خليفة.

المقالة الّتي أخذت شكل الحوار ركّزت في البداية على الصّورة النّقديّة الّتي ترسمها روايات خليفة لسوريا في ظلّ نظام الأسد وعن قراره البقاء في سوريا رغم الأخطار الّتي تهدّده بسبب آرائه النّاقدة وكلّ ما يحدث هناك بشكل عام وكذلك عن حظر ومنع بعض كتبه من النّشر. كما تطرّق الحوار للحديث عن مستقبل الأحداث في سوريا وطبيعة البلد الديموغرافيّة وتعدّديّة الأديان والأجناس فيها. وفي الثّلث الأخير من الحوار ركّزت المقالة على روايات الأديب السّوريّ وعلى علاقة أحداثها بالواقع وتوقّعاته للمستقبل.

وهنا بعض الآراء الّتي عبّر عنها خالد خليفة ردّاً على أسئلة الصّحفي: “لست الوحيد في خطر […] أريد البقاء في بلدي وفي بيتي”… “يميل السّوريّون إلى اللّيبراليّة ودولة المواطنة، والدّولة الإسلاميّة هي ليست مشروعنا”… “إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أعداد المسيحيّين الّذين تركوا البلد، نرى بأنّ ادعاء نظام الأسد بحماية الأقلّيّات لا مصداقيّة له”..”أعتقد بأنّه لدى الشّباب من النّاس أملٌ أكبر، حيث أنّ النّظام لا يعشعش في عقولهم”

تابعت مجريات الأمسية التي انعقدت في زيورخ وأدارتها المترجمة والخبيرة الألمانية بالشأن السوري لاريسا بَيْندر، وذلك بحضور مترجم الرواية، السويسري هارتموت فَيْندرش، وحوالي 150 شخصًا من المهتمين ومتابعي الأدب العربي عمومًا والشأن السوري خصوصًا.

افتتحت الأمسية الناقدة الأدبية السويسرية إيزابيل فونلانتن، فرحّبت بالحضور وبالكاتب والمشاركين إلى جانبه بالإضافة إلى بيندر؛ وهما الممثلة السويسرية أوريانا شْرَيـﮔـه التي تولت قراءة النصوص بالألمانية، والألماني يوهانّس ستيفان ، الأستاذ المساعد في معهد الدّراسات الإسلاميّة والشّرق أوسطيّة في جامعة برن، الذي تولى الترجمة من العربية إلى الألمانية.

قدمت لاريسا بيندر الروائي السوري منوّهةً بأعماله الروائية إلى جانب الأعمال التي كتبها إلى التلفزيون السوري وأوجزت للحضور مضمون رواية «الموت عمل شاق» وتركيبة شخوصها قبل أن تباشر معه الحوار.

عن الرواية

تجري معظم أحداث الرواية على الطريق بين دمشق وحلب بعد حوالي ثلاثة أعوامٍ من انطلاق الإنتفاضة الشعبية السوريّة وتحولها بفعل عوامل داخلية وإقليمية ودولية متشابكة إلى حربٍ أهلية تُظلّلها احتلالات مختلفة مزّقت سورية إلى دوائر ومربعات عسكرية وأمنية طرقاتها مزروعةٌ بالحواجز الثابتة والمتحركة، وجعلتها مناطق نفوذ شتّى تخضع لأنظمةٍ وشرائعَ وإجراءاتٍ متباينةٍ.

في مثل هذه الظروف، كان على «بلبل» أن ينفّذَ وصية والده عبد اللطيف الذي توفي في دمشق ويدفِنَ جثمانه في مدفن العائلة شمالي حلب فاستعان لذلك بأخيه حسين الذي يملك باصًا صغيراً ورافقتهما في الرحلة شقيقتهما فاطمة. بفعل الإجراءات العديدة والتدقيق الأمني على الحواجز المختلفة تتحول المهمة إلى سفرٍ طويل يدوم أربعة أيامٍ بلياليها فيتخلل ذلك دفع الرشاوى واعتقال الجثة وتوقيف الأبناء وإيقافهم عدة مرات على حواجز النظام كما على الحواجز الأخرى، مما يؤدي إلى تعفن الجثة التي وُضعت في الباص دون تابوت وبداية تحللها وهجوم كلاب البراري الشرسة على الباص بفعل الرائحة، وذلك أثناء توقف الأبناء في إحدى الليالي على مفترقٍ للطرق، مما يصوّر مشهداً يحفر في عمق الضمير الإنساني ويدفع مخيلة القارئ إلى تصور حقيقة المعاناة السوريّة والتفكير بمآسي الحروب.

خلال الرحلة يعكس لنا الكاتب ماضي عائلة عبد اللطيف وعلاقات أفرادها سواءٌ من خلال الجدل الذي كان يدور بين بلبل وحسين خصوصًا أو من خلال العودة الروائية إلى ماضي العائلة، فيحضر الحب والكره، الزواج والطلاق، الأنانية والإيثار، الشجاعة والخوف، الحياد والإنحياز في مسائل الوطن والثورة، كما يلفت الكاتب النظر من خلال ذلك إلى بعض التحولات القِيَميّة التي تطرأ على العائلة عند الإنتقال من الريف إلى المدينة، ويشير في السياق بوضوح تام إلى هُويّات قوى الأمر الواقع المتعددة التي أنشبت أظفارها في الأرض السوريّة خلال الحرب.

“لماذا أنت في دمشق؟ “

قال خليفة في معرض الحوار الذي جرى معه خلال الأمسية إنَّ فكرة الرواية ولدت لديه عندما تعرّض لجلطة قلبية في العام 2013 فتساءل وهو في المشفى عما يمكن أن تفعله عائلته بجثمانه وكيف يمكن لها أن تنقله إلى قريته في شمال حلب، «فالسوريون في ذلك الحين كانوا يدفنون جثث ضحاياهم في حدائق منازلهم، وقبل هذه الحرب كانوا يأتون بجثامين أحبائهم من أبعد نقطة في الأرض ليدفنوها في مقبرة العائلة، وعائلتي ككل العائلات الريفية قضية الجثمان لديها قضيةٌ كبيرة».

وعبّر الروائي السوري عن انزعاجه من السؤال الذي يتكرر طرحه عليه أينما ذهب: «لماذا أنت في دمشق؟ بينما الطبيعي أن أبقى في دمشق، ذلك المكان الذي أحبّه، وأنا هناك في بيتي وفي وطني» وأضاف في معرض رده على مثل هذا السؤال: «في العام 2006 عندما نشرتُ روايتي (مديح الكراهية) كان يجب عليَّ أن أفكر فيما إذا كنت سأخاف أم لا، وترسّخت لدي قناعةٌ بأنني يجب ألّا أكتب إذا كنت أخاف. أنا دائمًا أفكر بالآخرين وأرى أنَّ ما يحدث لي لا يساوي شيئًا مقابل ما يحدث لهم، فعندما تتعامل مع بشر فقدوا كلَّ شيء تقريبًا وأنت لم تفقد سوى جزءٍ بسيط مما فقدوا، تشعر بأنك ما زلت بخير». وأشار في هذا الإطار إلى أن «رواية (الموت عمل شاق) سهلةٌ بالنسبة للنظام مقابل رواية (مديح الكراهية)».

السوريّون سيستعيدون في النهاية قرارهم الذي لا يملكه الآن، لا النظام ولا المعارضة

وقال: «هناك خوفٌ من كل شيءٍ في سورية، دائمًا العيش في ظل أنظمة دكتاتورية يجعل الخوف ملازمًا لأي شخص، والسوريّون عاشوا طويلاً مع الخوف واختبروه»، ثم أضاف: «اعتقدنا في العام 2011 أننا كسرنا حاجز الخوف، لكن بُني أمامنا حاجزٌ جديد، نحن الآن خائفون من المستقبل وبلادنا بالكامل تقف في المجهول، فقد اكتشفنا قراراً عالميًّا بعدم ذهابنا إلى نظامٍ ديمقراطي». وعبر عن قناعته بأن «العالم يتمنى الآن لو تختفي سورية لأنها أصبحت مزعجةً له»، لكنه أكد بأن سورية «باقية وإن السوريّين سيستعيدون في النهاية قرارهم الذي لا يملكه الآن، لا النظام ولا المعارضة».

وفي إطار رده على سؤالٍ حول القراءة والقرّاء في ظل الوضع الحالي الذي تعيشه سورية، ذكر بأن السنوات السبع الماضية هي أكثر السنوات التي التقى فيها بالقراء في الداخل، خاصة الشباب والصبايا من الجيل الجديد، وإنه يتلقى عبر بريده الألكتروني الكثير من رسائلهم، وقال إن الكثير منهم يزورونه في المقهى الذي يرتاده في دمشق ويجلبون له الورود والشوكولا ويعبّرون عن مشاعرهم، وبعضهم يستوقفه في الطريق ليتحدث معه ويقول له: «قرأت هذا الكتاب أو ذاك من كتبك»، وعبّر عن سعادته بوجود نسخ «مزورة» من كتبه الممنوعة في سورية.

وعن شكل الكتابة ومضامينها قال خليفة: “لقد أصبحنا مشكلة لذاتنا، لا نستطيع التفكير خارج ما حدث وسنبقى نكتب عنه لمئتي سنة قادمة كحدٍّ أدنى»، وردّاً على سؤالٍ حول الأمل أكّد أنَّ «أي شعب منكوب لا يستطيع الإستمرار بالحياة دون أمل، علينا أن نصنع الأمل كل يوم، إن لم يكن موجوداً» وأوضح في الختام أن ليس لديه من مهمةٍ سوى أن يكتب وأنه ضد تحميل الكاتب مسؤولياتٍ كثيرة «فالكاتب يجب أن يقوم بعمله بشكلٍ جيّد، وهذه أكبر همومنا، أن ننظر إلى كتابتنا وكيف نستطيع الوصول إلى كتابة جيدة».

نشرت على هيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية هنا

المصدر
هيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية
زر الذهاب إلى الأعلى