خالد خليفة .. مثل جسر بسيط من السحر

الروائي خالد خليفة

لم ألتقِ خالد خليفة بما يكفي، وكما يحدث للأشياء الحقيقية تشكلت صداقتنا على الحدس وكثير من الحظ، كنا نجد أنفسنا في مناسبات الآخرين، كأن يقف أمامي في بهو الفندق شخص ممتلئ بابتسامة طفولية:
أنا خالد خليفة من سورية.
يقول الشخص الذي يبتسم، أو تقول الابتسامة التي يقف خلفها شخص ممتلئ بشعر من الخواتم، لم تكن الخواتم قد ابيضّت بعد.
أقول: طبعاً، قرأت مديح الكراهية وحارس الخديعة، وربما لأضع مكاناً نحبه بيننا، أكمل: عشت سنوات طويلة في دمشق.
يقول: أعرف، بيننا أصدقاء مشتركون.
تجلس الابتسامة التي يسكن خلفها الشخص الممتلئ، أفكر وأنا أنظر إلى هالة من التعب تحت عينيه: هذا رجل لم ينم جيداً.
خلف الزجاج تواصل مدينة غريبة لا تخصنا تزجية صباح الأحد، وعلى المائدة بيننا تتدفق دمشق.
سنلتقي فيما بعد في مدن كثيرة، في برلين حين أنزلونا في فندق صغير وجميل اسمه “بوغوتا”، على اسم العاصمة الكولومبية، وسنتوه، بالضبط سنتوه، في ليل برلين ولن نهتدي لـ “بوغوتا” إلا فجراً، عندما اكتشفنا على يد حارس ليلي أننا ندور حوله منذ ساعات، سنلتقي في بروكسل عندما ظهر فجأة في قاعة الـ “بوزار”، وفي أوسلو..
ولكننا لم نلتقِ في دمشق، كانت تسيل بين أيدينا كلما تصافحنا في مدينة غريبة.
قلت له مرة إنه ذريعتي لاستعادة دمشق، وكان هناك من يضحك ويمشي في ذكرياتنا، الراحل عادل محمود والعزيز ثائر ديب وهنادي زرقا، أو مقهى صغير في اللاذقية، وعلى جسر غير بعيد يوسف عبدلكي وسميح شقير وفي مكان عميق جميل حتمل، ها هي دمشق محمولة في الحنين مثل ياسمينة لا تذبل.
لم نتحدث عن الرواية أو الشعر أو فضائل الترجمة، لا أذكر ذلك، ربما في هامش ما، لم يكن معنياً في الحديث عن نفسه، كنا نتحدث عن الأمكنة في بلادنا؛ المقاهي والحانات والحدائق والبيوت القديمة..، عن الناس، رواد الحانات أجمل من الحانات والناس في المقهى أجمل من المقهى، ومتسكعو الحدائق أجمل من الحدائق وساكنو البيوت القديمة أجمل من البيوت، وكانوا جميعاً طيبين في حديثنا.
كان لديه طريقة محببة في نحت الأسماء والتصرف بها وتبديل هيئتها ومنحها ذلك الإيقاع المحبب الذي يمسك أصحابها من أيديهم ويأخذهم إلى الألفة، ربما “الواو” التي يضيفها مثل جسر بسيط من السحر.

الصفحة السادسة عشر من العدد 9998 من صحيفة الأيام الفلسطينية

نشرت على الأيام هنا والنسخة المطبوعة هنا

المصدر
الأيام
زر الذهاب إلى الأعلى