في نهاية العام 2015، عندما علمتُ باقتراب صدور رواية جديدة لخالد خليفة، تحدثت معه عبر “فيسبوك” لأسأله عن اسمها، فأخبرني أنها تحمل اسم “الموت عمل شاق” .. عاجلته على الفور: ولكن في أيامنا هذه أصبح الموت سهلاً جداً، فرد عليّ: اقرئي الرواية أولاً، وسترين إن كان عملاً شاقاً أم لا.
وما أن انتشر نبأ الرحيل المفاجئ للروائي السوري خالد خليفة عن 59 عاماً، في وقت متأخر من مساء أول من أمس، إثر نوبة قلبية مفاجئة، وكان أكثر من صادم ومفجع، حتى باتت وسائل التواصل الاجتماعي تذرف دموعاً من حسابات محبّيه، في حالة تعكس الموت كــ “عمل شاق”، خاصة على الأحياء ممن عليهم أن يكملوا مشوار الحياة، رغم فواجع الفقد المتواصلة.
الشاعر الفلسطيني غسّان زقطان كتب: وداعاً خالد خليفة، وداعاً أيها الجميل المحب، رغم أن كل هذا لا يبدو حقيقياً، في حين اكتفى الشاعر الفلسطيني غيّاث المدهون، بإعادة نشر صورة له العام الماضي، خلال مشاركته في برنامج الكتابة الدولي (IWP) بمدينة وولاية أيوا الأميركية، يشير فيها إلى صورة مثبّته هناك لخالد خليفة، الذي كان سبقه قبل عقود للمشاركة في البرنامج العريق.
ونشرت الشاعرة الفلسطينية أسماء عزايزة صورة لها تراقبه بتأثر وهو يقرأ مقطعاً من روايته “الموت عمل شاق”، كاتبة: كان خالد يقرأ مقطعاً من “الموت عمل شاقّ”.. تعابير وجهي تقول كم كان المقطع مؤلماً.. في عمارة قديمة وسط مدينة دوبروفنيك الكرواتيّة الساحرة.. حتّى في اللحظات المليئة بالموت، في حياته وأدبه، كان ثمّة سحر وضحك يُضافان بخفّة.. عثرت على هذه اللقطة وأنا أتذكّر الآن لقاءنا الأوّل، إلى لقاء آخر أبو الخلّ، أيّها الطيّب، أيّها الضحوك، أيّها الساحر.
وخالد خليفة روائي وشاعر وكاتب سيناريو ومقالات أدبية سوري، ولد في “أورم الصغرى” بحلب في العام 1964، وجذبت روايته “مديح الكراهية” اهتمام وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم، بحيث كانت روايته الثالثة هذه ضمن أفضل مئة رواية عالمية وفق قائمة (Muse List) العالمية، وقضى ثلاث عشرة سنة في كتابها، وهي رواية ترصد الكيفية التي تأثرت بها حياة أفراد أسرة سورية بسبب الحرب الدائرة بين النظام السوري والإخوان المسلمين، ونشر فيها ما جرى لـ”الجماعة” في “حماة”، ونشرت في دمشق قبل أن يتم حظرها، ولاحقاً تمت إعادة نشرها، وسبق أن نافست على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورتها الأولى للعام 2008 بوصولها إلى القائمة القصيرة.
درس خليفة في جامعة حلب وحصل على درجة البكالوريوس في القانون العام 1988، وكانت روايته الأولى “حارس الخديعة” في العام 1993، تلتها رواية “دفاتر القرباط”، ونشرت في العام 2000، وأشيع أن اتحاد الكتاب العرب في سورية جمّد عضوية صاحبها لأربع سنوات إثرها، لكنّه أكد في حوارية شاركتُ بها افتراضياً رفقته وآخرين، أنه لم يكن يوماً عضواً في هذا الاتحاد، لذا لم يمنحهم شرف تجميد عضويته فيه، لافتاً إلى أن جميع رواياته مُنعت في سورية أيضاً.
وما بعد “مديح الكراهية” أصدر خليفة عديد الروايات التي حققت حضوراً لافتاً عربياً ودولياً، وترجمت إلى لغات عدة، مثل: “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” (2013)، وحازت جائزة نجيب محفوظ للرواية، ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، و”الموت عمل شاق” (2016)، و”لم يُصلّ عليهم أحد” (2019).
وكتب خليفة نص وسيناريو العديد من المسلسلات السورية، أبرزها: “قوس قزح” (2000)، و”سيرة آل الجلالي” (2000)، و”ظل امرأة” (2007)، و”العرّاب.. نادي الشرق” (2016).
وعرف عن خليفة مواقفه المناصرة للثورة السورية، منذ لحظة انطلاقها، هو من أصرّ على البقاء في سورية، بعد أن تعرض للضرب حتى كسرت يده أثناء قمع تشييع الموسيقي السوري ربيع غزّي في 26 أيار 2012، فيما أشاد مؤخراً بالتحركات المُعارضة في السويداء دون لبس.
وأفاد صديقه الصحافي يعرب العيسى الذي رافقه خلال الأيام الأخيرة لوكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس): “لقد توفي داخل منزله وحيداً في دمشق (..) اتصلنا به كثيراً ولم يرد، وحضرنا إلى منزله فوجدناه ميتاً على الأريكة”.
وقال الأطباء في مستشفى العباسيين في دمشق، إن تشخيص الوفاة هو أزمة قلبية.
ومن المقرّر أن يُدفن خلفية في دمشق في وقت لاحق الأحد دون تحديد باقي تفاصيل الجنازة والتشييع.
وعرف عن خليفة مواقفه المناصرة للثورة السورية، منذ لحظة انطلاقها، هو من أصرّ على البقاء في سورية، بعد أن تعرض للضرب حتى كسرت يده أثناء قمع تشييع الموسيقي السوري ربيع غزّي في 26 أيار 2012، فيما أشاد مؤخراً بالتحركات المُعارضة في السويداء دون لبس.