ليزا فورستر ـ برلين: كيف يمكن أن تكتب عن الموت وعن معاناة لم ينج منها أحد؟ قام الروائيان السوريان رشا عباس (34 عاما) وخالد خليفة (54 عاما) بوضع مؤلفات من المستحيل إغفالها، رغم ما تصفه من فظائع.
ربما تكون اللغة الدارجة التي يستخدمها عباس وخليفة لوصف الموت- السخرية الجافة- هي التي تميز لغتهم وكذلك شخصيتيهما. فهما شخصان فاقدا الأمل واقتُلعا من جذورهما، ولم يعودا خائفين من الموت الذي أصبح مجرد “عمل شاق” بالنسبة لهما.
ولا يزال خليفة يعيش في دمشق ويعد أحد أشهر الروائيين السوريين. ولكونه معارضا للرئيس بشار الأسد فإن كتبه ممنوع تداولها في بلده.
يقول خليفة لوكالة الألمانية (د.ب.أ) :”هذا لا يهمني … إنه أمر سخيف، إذ لا يمكنك الحديث عن حظر كتب بينما لك أصدقاء محكوم عليهم بالسجن 15 عاما لمجرد أنهم عبروا عن آرائهم السياسية”.
ويقضي خليفة أيامه يشرب القهوة، ويعمل على كتبه، ويلتقي أصدقاءه. ويقول :”لست خائفا من الكتابة. لا أفكر في الخوف، وإنما أفكر في إيجاد طريقي وسط المناطق المدمرة”.
وكان نشر كتابه “الموت عمل شاق” بالعربية عام 2016، وتم مؤخرا نشره بالألمانية، ومن المقرر أن يُنشر بالإنجليزية في 2019 .
وتروي القصة محاولة ثلاثة أشقاء تحقيق وصية والدهم الأخيرة ونقل جثمانه لنحو 300 كيلومتر من دمشق إلى مدافن القرية التي وُلد بها في حلب.
وفي الوقت الحالي، حيث تخوض القوات الحكومية معارك ضد متمردين ومسلحين إسلاميين في أنحاء البلاد، فإن 300 كيلومتر ليست مسافة بسيطة. وتعين على الأشقاء الدخول في مساومات خلال طريقهم للعبور من حاجز أمني تلو الآخر.
وفي بعض الأحيان يتم “اعتقال” جثة والدهم، الثوري. وفي حاجز آخر يتم توقيف أحد الإخوة ويعرض أمره على قاض شرعي. وبالطبع، تستغرق الرحلة أطول بكثير من المتوقع، وحتى مع زحف الديدان على الجسد المنتفخ، فإنه لا يزال هناك بعض المسافة التي يتعين قطعها.
أما كتاب فيضم قصصا صغيرة. وقد تم نشر كتاب “ملخص ما جرى” باللغة الألمانية. وهو الآخر يعج بحكايات أشخاص فترت قلوبهم ورغم ذلك لم يفقدوا روح الدعابة.
ورشا عباس هي الأخرى من دمشق، ولكنها تعيش بالتناوب منذ عام 2015 في كل من هولندا وألمانيا. وعلى خلاف قصص خليفة، فإن قصصها تميل إلى الخيالية أو البشاعة.
وتقول رشا عباس إن ما عايشته في الحرب غيّر الطريقة التي تكتب بها.
وتوضح :”ربما تكون لغتي قد تكيفت مع التغيرات المتسارعة التي مررت بها، الانتقال من مكان إلى مكان. ولذلك أصبحت أكثر كثافة وتركيزا”.
وفي كتابات كل من عباس وخليفة، تجد الشخصيات أنفسها في مواقف كفكاوية. ويتم مراقبتهم من جانب سلطات لا يفهمها أحد ولكنها تمتلك قوى مطلقة.
ويتخلل إحساس دائم بالفزع أعمال الروائيين. وتسود أصوات المروحيات العسكرية والقذائف المضادة للطائرات والقنابل اليدوية الضوضاء في الخلفية. وكما أن قصصهم مليئة بالفظائع والأحاسيس، فإنها أيضا تظهر قدرا كبيرا من أصالة اللغة.
ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان فإن نحو 511 ألف شخص لقوا حتفهم منذ اندلاع الحرب الأهلية في سورية عام 2011 .
وفي ظل عظم حجم المعاناة، أصدر صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بعد غارات جوية على الغوطة الشرقية في فبراير، بيانا صحفيا لا يحتوي على كلمات. ووصفت الأمم المتحدة المناطق المنكوبة بأنها تشهد “معاناة لا يمكن وصفها”.
كيف يمكن لكاتب أن يصف شيئا لم تعد السلطات الرسمية تجد كلاما لوصفه؟.
تقول رشا عباس :”بالطبع هناك أمور يصعب وصفها … ولهذا السبب أحاول أن أصور من بعيد الأمور التي تحدث في الحرب. هناك أيضا خوف من استغلال الأحداث المروعة وقصص الضحايا كمادة للكتابة. وهناك أيضا عدم ارتياح يرتبط بهذا الأمر بشأن الاستفادة من مخاوف الآخرين”.
ويقول خليفة :”يشعر الكتاب باستمرار بأنهم غير قادرين على تجسيد مفهوم الأمور التي لا يمكن وصفها … ولكن حتى إذا عرف العالم ما يحدث في سورية، فإنهم لا يزالون لا يصدقونه”.
نشرت على العرب هنا