أحبّ بعض الكتاب السوريين بشار الأسد. وباختيار كلماتهم بعناية، قد يقولون إنهم تحملوا وجوده.
يعتقد أولئك الذين تمخضوا عن شعبية واهية وعن برامج تلفزيونية أن الرئيس السوري بشار الأسد، (الذي كان في منتصف الثلاثينات عندما تولى السلطة في عام (2000، أراد أن يكون معروفاً كزعيم متحضر يدافع عن حرية التعبير. وقال بعضهم إن الأسد بدا بشكل آخر عندما بث برنامج كوميدي يسخر من الفساد في سوريا لعدة مواسم. في أسوأ الأحوال، فكر العديد بأن الرئيس الشاب لن يكون بعد الآن متشدداً أكثر من والده، حافظ الأسد، الذي أحكم قبضته لفترة طويلة على جميع وسائل الإعلام في سوريا.
والجدير بالذكر، على ما يبدو أن بشار الأسد كان أعظم ممثل بينهم جميعاً، هذا ما اقترحه خالد خليفة خلال مقابلة هاتفية أُجريت مؤخراً من شقته في دمشق فجراً. يُعتبر كاتب السيناريو والروائي، واحداً من أكثر الكتاب شهرة في سوريا، وعادة ما يستغل هذا الوقت عند الفجر بالكتابة، لكنه قال إنه يجد صعوبة في التركيز مؤخراً. ويجد نفسه الآن ينظر إلى الشارع، يشاهد الناس وهم يتجمعون للمظاهرات حيث تملأ أصوات مطالبهم ظلام الليل.
“إنه عالم مختلف تماماً عن العام الماضي”، “الناس في الليل لا ينامون”، قال الكاتب.
تطورت مهنة خليفة بشكل ملحوظ في نفس الوقت الذي استلم بشار الأسد فيه السلطة. إنه لا يزال يتذكر كل الحديث عن التغيير من الزعيم السوري الجديد في بداية عام 2000، تماماً مثلما قدم انتشار القنوات الفضائية في جميع أنحاء المنطقة للسوريين فجأة مدخلاً إلى الترفيه المتنوع ووجهات النظرالمختلفة. لقد تضاعف الطلب على البرامج الجديدة، وتدفقت أكثر من أي وقت مضى سيناريوهات عن لجنة الأسد للرقابة أو هذا ما كانت تدعى به (التي يكن لها اسم رسمي). وأما التلفاز، فقد كان بالنسبة إلى المتفائلين المبدعين مثل خليفة حدوداً جديدة، حركة ديمقراطية لم يستطع حتى النظام أن يوقفها.
عُرف عن خليفة منذ طفولته أنه كان يريد أن يكون كاتباً، فقد عشق الشعر. ومع أن والديه يعملان في زراعة شجر الزيتون في مدينة حلب، إلا أنه قرر أن يعمل شيئاً آخر. اقترحوا عليه مجال القانون، حتى أنه ذهب الى مدرسة القانون، ولكن هل استطاع أن يصبح محاميا؟
قال لشبكة الـCNN “كنت إما أن أصبح كاتباً أو انتحر”. ومع موهبته الطبيعية في الدراما، حصل على فرصة لكتابة مسلسلات تلفزيونية مما دعم حبه للرواية. ومن المدهش أنه يحب المثابرة، وهي أحبته أيضاً!
وأصبح خليفة واحداً من أكثر الروائيين المرغوبين في التأليف التلفزيوني الدرامي من أبناء جيله، يمكن أن يطلق عليه ”ديفيد كيلي David Kelley السوري”.
في عام 2006، وبعد كدح ثلاثة عشر عاماً، نشر خليفة رواية “مديح الكراهية”، وهي رواية على نمط الفولكنيرية Faulknerian [يعود الاسم إلى روائي William Faulkner الذي اتسمت كتاباته بالسردية المأساوية] تروي قصة عائلة حلبية تصارع للبقاء ضد واقع مُرّ لحمَّام دم بين الجيش السوري والإسلاميين في مدينة حماة عام 1980.
رآها النقاد أنها رواية كلاسيكية، مثنين على حبكتها المعقدة والمليئة بالحيوية. وأشادوا بقدرة خليفة البارعة وبخاصة مهارته في التحدث بصوت فتاة صغيرة في الرواية. رُشحت الرواية لمسابقة الجائزة العالمية للرواية العربية، والمعروفة باسم جائزة “بوكر العربية”. ولقد قام نظام الأسد على الفور بمنع رواية “مديح الكراهية”.
من الرواية إلى الفيسبوك
قال خليفة: “لقد أظهرالفنانون السوريون ملامح عدم المبالاة بالرقابة، لأنها باعتقادهم هي مجرد جزء من الحياة في البلاد”. لذلك قام هو بفعل الشيء نفسه. وقد تم منع مجلةٍ للشعر
والرواية كان يعمل فيها لسنوات، وقامت هيئة الرقابة الحكومية بتمزيق السيناريوهات التلفزيونية.
وعادة ما كان يتأقلم مع هذا الوضع بروح الفكاهة، فقد كان يضحك حول تهريب رواياته عبر الحدود اللبنانية، وتقديم نسخة من الرواية إلى حارس الحدود النكد والفضولي.
لقد باعت المكتبات “مديح الكراهية”، كما تزعم عن طريق تبديل غلاف الكتاب بآخر.
لكن خليفة لم يعد يرى الأمور مضحكة بعد الآن، فإن أعمال العنف التي اجتاحت سوريا منذ أكثر من عام تركته حزيناً وغاضباً. كما قال.“أريد أن أكون قريباً من شعبي أدعمهم وأدعم الثورة”. يقول الروائي والسيناريست خالد خليفة.
بالتالي، فإن الكاتب يفعل ما يفعله بعض الفنانين المشهورين الذين لا زالوا في سوريا، وخاصة أولئك الذين صنعوا حياتهم المهنية بالتعاون مع النظام لإنتاج البرامج التلفزيونية.هو يعلن تحالفه مع المعارضة صراحة.
والآن بدلاً من أن يكرّس أيامه بالكامل للتأليف الروائي، يقوم الروائي خليفة بالكتابة على صفحة الفيسبوك الخاصة به، وينشر باستمرار عبارات تشجيعية للمعارضة.
فقد نشر في 15 مارس/ آذار، في الذكرى السنوية لبدء الانتفاضة السورية: “في مناسبة ولادة الثورة، هل يمكننا جميعاً إزالة الكلمات ذات الدلالة الطائفية من القواميس – سني – شيعي – علوي – مسيحي- وتجنب الحديث عن السلاح-!”.
وفي يوم المرأة العالمي 8 مارس، نشر قائلاً: “في مثل هذا اليوم ليس هناك امرأة تعادل والدة الشهيد، وأخت الشهيد، وابنة الشهيد، وجميع مقاتلي هذه الثورة العظيمة.”
وقال خليفة لشبكة CNN: “أريد أن أكون قريباً من شعبنا السوري، داعماً لهم وللثورة”.
خيار واضح للفنانين السوريين
قالت عالمة الأنثروبولوجيا كريستا سالاماندرا Christa Salamandra التي كانت في سوريا حتى عام 2010، حيث درست الثقافة الشعبية ووسائل الإعلام هناك، وكونت أصدقاء من الممثلين والكتاب مثل خليفة :”يُـظـْهر تصريح خليفة في الآونة الأخيرة كيف استطاع الفنانون البقاء لأعوام تحت ظل القمع الفني في سوريا”.
وقالت أيضاً: “لقد واجه الفنانون السوريون دائماً خياراً واضحاً، حيث بإمكانهم اختيار المنفى، والذي هو في كثير من الأحيان غير مجدي وغير مفيد للبلد”، وأضافت: “أو يمكنهم أن يصلوا إلى تسوية، وهو خيار يمكن أن يؤدي إلى خير محض إذا مكّنهم من نقل رسائل ثورية أو جدية، ولكن صامتة”.
وقالت سالاماندرا: إن تعليقات خليفة قد تعرضه للخطر، مشيرة إلى العديد من التقارير التي نشرت عن السلطات السورية التي تقوم بمراقبة هواتف المنشقين وأنشطتهم على الإنترنت. ومن الممكن أن شهرة خليفة قد حصنته من الاعتقال أو من أي ضرر آخر.
ومهما كان السبب الذي يبقي خليفة بأمان، فإنه لن يتوقف عن دعم ما يسميه “الثورة”، حتى وإن كان العنف يزداد قسوة على مدينته. إن تزايد العنف في دمشق، الذي تميز مؤخراً من خلال انفجار سيارتين ملغومتين أسفر عن مقتل 27 شخصاً على الأقل، واشتباكات بين الجيش والثوار، ينذر بمستقبل مظلم للعاصمة. أطفأ القتال الجاري كل الآمال بتحقيق دمشق حلمها بأن تكون ملاذاً للفنون الدولية، كما توقع العديد من الناس ذلك قبل سنوات قليلة مضت.
“لو كان علي الاختيار بين التزام الصمت والبقاء في سوريا، أو مغادرتها للتعبير عن رأيي، لاخترت الصمت والبقاء هنا”. كما صرح خالد خليفة من منزله في دمشق.
في أواخر عام 2000، وحتى عندما بدأت الاحتجاجات ضد نظام الأسد، ثارت ثائرة المدونات ووكالات الأنباء الرسمية حول دمشق، كونها مركز العصب للفن المعاصر في العالم العربي. وكانت رؤوس الأموال الأجنبية تتدفق إلى سوريا، الأمر الذي دفع بالعاصمة دفعة مذهلة نحو الحداثة- على الأقل بشكل سطحي.
فقد تم افتتاح فنادق فخمة فيها صالات عرض ومحلات تجارية، وكُتب عن سيدة سوريا الأولى أسماء الأسد في بعض المجلات اللامعة مثل مجلة فوغ Vogue، وكانت دار دمشق للأوبرا الحدث الأكبر. كما أشادت مجلة “سوريا اليوم” باللغة الإنجليزية بافتتاح معرض جديد للإعلام قام برعاية المهرجان الدولي الأول للفنون السمعية- البصرية في الدولة.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مشهد الفن السوري قد يكون الشيء المهم المقبل، نقلاً عن وكيلة سفر في كاليفورنيا قامت بالدعاية حول دمشق حتى تتمكن من جذب هواة أغنياء للذهاب في جولة للتسوق فيها. حتى أغاني “الهيب هوب” الأمريكية تكلمت عن دمشق قبل سنوات قليلة. وقد أخبر ويكليف جين Wyclef Jeanوميسي إليوت Missy Elliott الجميع أن الحفلة كانت هناك!
قصة للماضي والمستقبل
ويرجع السبب في انتشارالثقافة الشعبية في سوريا لحد كبير إلى البرامج التلفزيونية التي كتب لها خليفة – مثل “الميلودراما” التي أبقت المشاهدين مترقبين ظهورها يومياً.
وأصبح خليفة وزملاؤه في التلفزيون على ثقة من أنهم استطاعوا تجاوز الحدود مع الأسد بشكل يمكنهم من إرسال سيناريوهات ومشاهد وهمية لن تكون باستطاعتها تجاوز الرقابة.
يقول خليفة:” لقد رأيناها على أنها لعبة بيننا وبين النظام، نفوز مرة ، ونخسر مرة أخرى، وفي بعض الأحيان نضيف عمداً مشهداً في السيناريو نعرف أنه لن يمر بدون رقابة، ولكننا نفعل ذلك فقط لنوضح نقطة معينة.”
ومن حماسة هذا الانفتاح المزعوم انبثـقت رواية خليفة “مديح الكراهية”، حيث استند بقصته على خلفية السياسة السورية والعنف خلال الثمانينات، وهو يعلم تمام العلم أنها ستثير حفيظة الرقابة.
وقد أخبر العديد من القراء الشباب خليفة، بما في ذلك أولئك الذين تظاهروا طلباً لحرية سوريا، أنهم يقرؤون كتابه، ويعيدون النظر في كتاباته المعاصرة لمعرفة المزيد عن العنف الذي حدث في البلاد في الماضي.
ويضيف خليفة: “إن كثيراً من الشباب لا يعرفون تفاصيل ما حدث في الثمانينات، لذلك هم يعودون إلى مؤلفاتي ويقرؤون ما حدث…”، “إنهم يشعرون بالغضب حقاً، الأحداث تعيد نفسها مرة أخرى.”
لقد تُرجمت روية “مديح الكراهية” إلى لغات عدة، ولكن للمرة الأولى، ستصدر باللغة الإنجليزية.
قال خليفة إنه متحمسٌ حيال هذه الترجمة، ويأمل أن تساعد المزيد من الناس على فهم الفروق الدقيقة لبلاده. يريد أن يُري العالم ما رآه، ويعرف أنّ سوريا هي أكثر من مجرد قصة من الدم واليأس في نشرة أخبار مسائية.
لقد كان هادئاً عندما سُئِلَ عما إذا كان ينوي مغادرة دمشق في يوم ما، لقد كان السؤال بالنسبة له سؤالاً غريباً. فقد قال إنه لن يتخلى عن سوريا أبداً، حتى ولو كان ذلك يعني الحصول على سلامة شخصية أكبر وحرية فنية أكثر.
واضاف: ” لو كان علي الاختيار بين التزام الصمت والبقاء في سوريا، أو مغادرتها للتعبير عن رأيي، لاخترت الصمت والبقاء هنا”، “أشعر بأنني في حاجة للبقاء على مقربة من شعبي ومن الثورة والحديث عمّا أؤمن فيه”.
تم ترجمة المقالة الاصلية من CNN من قبل المترجمون الاحرار هنا