رواية “لم يصل عليهم أحد”.. العشق بحد ذاته صلاة

لم يصل عليهم أحد” (دار نوفل، بيروت 2019) ملحمة سورية في الشكل إنسانية في المضمون، عزف خالد خليفة ألحانها على أوتار الحزن والتيه، ودندن قصص العشق قدودًا حلبية اتشحت بالسواد والقتامة حينًا، والحب والوله حينًا آخر، والموت والتيه في أحيان اخرى، ساكبًا هذا اللحن السرمدي في قلب القارئ وروحه بأسلوب فذ وعاطفة جياشة.

“لم يصل عليهم أحد” ملحمة تمتد على ستة عقود ونيّف، تروي قصة مجموعة من الأصدقاء عاشوا الطفولة ونشأوا معًا

ملحمة تمتد على ستة عقود ونيّف، تروي قصة مجموعة من الأصدقاء عاشوا الطفولة ونشأوا معًا، أحدهم حنّا يصل بعد نجاته من مجزرة ماردين ليعيش في كنف عائلة مسلمة ويكبر مع زكريا وسعاد. يبني الكاتب روايته على هذا الثلاثي لكنه يزيد شخصيات اخرى كان لها أثرها ودورها الأساسي في أحداث الرواية.

الروائي خالد خليفة

استعمل الكاتب تقنية الخلط الزمني، فبدأ روايته بحدثٍ، ثم أخذ بسرد ما قبل وعاد لاحقًا ليسرد ما بعد، مدخلًا قصص الشخصيات ببعضها البعض، مبينًا أبعادها ونفسياتها والروابط التي تجمع فيما بينها وكيفية تطور العلاقة أو اضمحلالها. اللغة شاعرية في أماكن، تقريرية في أماكن أخرى. وازن الكاتب بين السرد والوصف مع إدخال الحوار واستعمال الرسائل. هذه التقنية ممزوجة باللغة الساحرة لخالد خليفة انتجت هذا العمل الجبّار.

الرواية مثقلة بالإرث التاريخي لحلب، وهناك الكثير من الرموز التي تركها خالد للقارئ كي يبحث عنها، مثل الكنائس المدمرة المطمورة، أبو الهدى الصيادي، الوضع الاقتصادي – الاجتماعي في بداية القرن العشرين، يهود حلب الذين هُجّروا بمعظمهم، العائلات التي غيّرت أديانها وبقيت روابط الدم قوية وغيرها الكثير.. أما في الرواية فإن الرمز المميز كان للقلعة، القلعة التي تحمل أبعادًا عمرانية وتاريخية وحياتية ودفاعية، كما أنها قد تكون المنزل الأكبر اي الوطن الذي أراد حنا وزكريا بناءه، وبأيديهم.

التناقضات:

خلال الرواية قام خالد خليفة بإقامة نوع من التضاد، فشاهدنا من جهة المسلم المتسامح والمسيحي المتسامح، ومن جهة أخرى المتعصب من كلا الديانتين، شاهدنا السكير وشاهدنا القديس، شاهدنا المحب الوفي وشاهدنا الأناني الخائن، شاهدنا الحب المندفع وشاهدنا الحب المستكين، شاهدنا الحب بأشكاله العديدة وشاهدنا البغض والكره، شاهدنا المجازر وشاهدنا الحماية منها… واستعمال كلمة “شاهدنا” دقيق لأن الكاتب يرسم ويؤثث المشهد بشكل يتعدى قراء سطر الى بناء عالم.

مأخذان على البناء:

  1. سبب تسلّط ماريانا على حنّا ودخولها في حياته بهذا الشكل الحاد، لم أقتنع بهذا الدخول والسلطة التي اكتسبتها.
  2. شخصية زكريا بعد انكسار حنا، فانكسار حنّا كان مفهومًا وطبيعيًا، أما انكسار زكريا ولامبالاته بأولاده وحياته ومحاكاته لحياة حنّا فقد شابها غياب الدافع والتحطّم المفاجئ الذي لم أجد له سببًا.

رواية “لم يصل عليهم أحد” مثقلة بالإرث التاريخي لحلب، وهناك الكثير من الرموز التي تركها الكاتب للقارئ كي يبحث عنها

أخيرًا، ليت خالد كتب هذه الرواية على شكل ثلاثية أو رباعية او حتى سداسية، فالمادة الروائية موجودة وكثيفة وكان ليكون العمل، برأيي، أفضل وأقوى وأتمّ. لكن بجميع الأحوال فالرواية الملحمية هذه ممتازة، مؤلمة، وتستحق القراءة دون أدنى شك. ولا بأس إذا لم يصل عليهم أحد، فالعشق بحد ذاته صلاة!

أنهي المراجعة باقتباس من رسالة حنّا لسعاد: “في طريقي الى التلاشي أترك لك خطواتي الممحوة، أنفاسي وندمي الذي لن يفيد، سامحيني كنت أضعف من الكائن الذي رسمت صورته في ذهنك، طوال عمري كنت الطيف الذي غمرني بالحب، لم تتوقفي عن منحه لي بكرم الأخت والأم التي فقدت، والصديقة التي ضاعت بين الصفات الأخرى والحبيبة التي لم أعرف سوى التسلل إلى دمها والاختباء”.

نشرت على صوت Ultra هنا

المصدر
صوت Ultra
زر الذهاب إلى الأعلى