قابلته مرة واحدة في حياتي، لكني اعتبرته صديقاً منذ ألف عام.
المرة الأولى التي سمعت فيها عن تميز رواياته كانت حين أخبرنا محمود درويش عن إعجابه برواية “مديح الكراهية”.. كان منبهراً بتلك الرواية التي تكشف الكثير مما جرى في سورية بجرأة عالية.
حين تسنى لي أن أقرأ بعدها “دفاتر القرباط”، التي كتبت قبلها لم يتح لي الإحساس بذلك التفاعل الحار والحي الذي أنشأته رواية “مديح الكراهية”، التي كشفت المسكوت عنه، عبر فسيفساء التفاصيل.
هكذا عرف خالد خليفة نقاط قوته الإبداعية، مضافاً إليها تفوقه في الكتابة الدرامية ليصل إلى قلوبنا عبر رواياته جميعاً.
حينما جلسنا في مطعم الأسماك في القاهرة، أعربت له عن فرحي بروايته “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”.. كان فرحي متدفقاً، خالصاً بتلك الرواية التي روت مصائر المدن العربية التي يحكمها العسكر، دون أن يتوقفوا عن تدمير أجمل ما فيها من بشر وإمكانيات. وبمنتهى الشغف تابعتُ قراءة أعماله التالية التي تعبّر عما يمكن للروائي أن يكتشفه حينما يصل إلى قعر البئر التي يجري فيها تدمير الحياة كلها، وليس البشر وحدهم.
منذ عرفته اكتشفتُ كيف يمسّ هذا الصديق القلوب بكتابته، ليس لأنه يواصل تشريح الأنظمة، وما تقوم به تجاه مواطنيها فقط، بل لأنه الإنسان الذي لا يهمل بادرة صداقة أو اهتمام.
إنسانيته الواسعة تنفرش على كل من يعرفهم، وتجعل الصداقة مستمرة وأبدية.. كان إنساناً نادراً بقدر ما كان روائياً متميزاً، ولذا يعز على جميع من عرفهم غيابه البعيد الآن.
وهكذا تُحرم الكتابة الروائية العربية واحداً من أهم مبدعيها وأكثرهم شجاعة وحيوية.
السلام والنور لذكرى وجوده القصير زمنياً، فأمثاله هم من يزيّنون الحياة بالود والإبداع والإنسانية أيضاً.