بعد رواياته “حارس الخديعة” (1993), ودفاتر القرباط (2000), و”مديح الكراهية” (2006) اتي نالت انتشارا عربيا وعالميا هامين، انتهى الروائي والسيناريست السوري خالد خليفة من كتابة عمله الروائي الجديد “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”، الذي تطرق فيه الى أحوال مدينة حلب في الفترة الممتدة بين عامي 1963 و 2005.
عكف خالد خليفة على كتابة رواية “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” منذ خمس سنوات. وهي رواية ليست كمثيلاتها من رواياته السابقة، إذ تختلف عنها اختلافا كاملا من حيث كونها رواية عن الظلم الذي سلط على الحياة السورية بتفاصيلها الصغيرة عبر خمسين عاما من حكم البعث. إذ جسده الروائي خليفة عن طريق أسرة حاولت جاهدة التخلص من هيمنة نمط الحياة “البعثية” التي فرضت عليها بالقوة، لتجد نفسها في نهاية المطاف سجينة مجموعة أفكار أخرى مسلطة عليها. وفي هذا، يقول الروائي خالد خليفة “اجزم بان سبعين في المئة من السوريين لم يلتقوا مع حزب البعث لكنهم عاشوا معه حياة موازية، وماذا تغير فينا وفي بلادنا؟. فوجئت من كمية الصور الفظيعة التي أخزنها في ذاكرتي عن هذه العقود الخمسة”.
مدينة حلب كانت دوما ملهمة الروائي خالد خليفة، إذ مثلت موضوعا للعديد من رواياته، على غرار “دفاتر القرباط” و”مديح الكراهية”، التي ترشحت للائحة القصيرة لجائزة بوكر العربية سنة 2008 واعتبرها النقاد من أشهر رواياته حيث تمت ترجمتها الى العديد من اللغات الأجنبية كالإيطالية والهولندية وكذلك الإنجليزية. وروايته “مديح الكراهية” تعد تمردا ثوريا للكاتب عالج فيها الصراع بين الأصوليين والسلطة، ليقدم واقعا قمعيا يعيشه المجتمع السوري مع غياب كافة مقومات الديمقراطية في حقبة “بعثية” رمت بكل تقاليد مدينة حلب وقيمها في مهب المطامع السياسية الشخصية، من خلال المواجهة بين الإسلاميين والسلطة في الثمانينات.
وتعد رواية “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” امتدادا لرواية “مديح الكراهية”، التي منع تداولها في سوريا إبان نشرها، إذ أن الأوضاع الحالية في سوريا أعادت الرواية إلى الواجهة. فرغم اختلاف الأحداث إلا أن راهن سوريا لا يختلف عن ماضيها الحاضرة، فكراهية السلطة السورية لكل من يعارضها صار “يمتدح” في الأوساط المحلية والدولية يشار إلى أن الروائي خالد خليفة (من مواليد 1964) كان من الأسماء الشعرية الواعدة في الثمانينيات لينتقل بسرعة إلى الرواية ويصبح أحد أبرز وجوه الرواية السورية المعاصرة، أصدر روايته الأولى “دفاتر القرباط” ومجموعة قصصية بعنوان “حارس الخديعة” التي حضرت فيها اللغة الشعرية، إضافة إلى روايته الشهيرة “مديح الكراهية” التي وضعت في صدارة ما سّمي منعطف الرواية الجديدة في سوريا. كما كانت له عديد الأعمال الدرامية السورية من خلال مسلسلات مميزة، فمن أعماله الشهيرة “هدوء نسبي” مع المخرج شوقي الماجري، و”زمن الخوف” مع هيثم حقي، و”باب المقام” مع المخرج محمد ملص.
ويجري حاليا تصوير آخر أعماله بعنوان “المفتاح”، وهو دراما اجتماعية سورية من إخراج هشام شربتجي وإنتاج مؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي السورية، يتطرق فيه خالد خليفة لجميع أشكال الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإنساني في إطار درامي بعيد عن التكرار والنمطية باستعراض معظم ملامح الفساد بجرأة كبيرة وسقف مرتفع من الحرية التي طالما كبلتها أعين الرقابة. ويعد خالد خليفة من الروائيين والشعراء الذين أقلقوا بكتاباتهم النظام السياسي السوري، إذ يعد من الثوريين الناقدين للمجتمع وللسلطة الحاكمة، ما جعله يتعرض للاعتقال في مناسبات عديدة كانت آخرها في الصيف الماضي بعد مشاركته في تشييع جنازة أحد قتلى الاحتجاجات ضد النظام السوري، ولم يتم الإفراج عنه إلّا بعد قيام السلطات بكسر يده. ولعل المراد بذلك كبح جماح قلمه في نقده اللاذع للسلطة.
نشرت في صحيفة العرب المطبوعة هنا