لا تزال قضية جائزة أفضل سيناريو لفيلم “باب المقام” للمخرج محمد ملص في مهرجان فالنسيا (2005)، تتفاعل في أكثر من جانب، ففي الوقت الذي ينتظر فيها حكم القضاء السوري، يتم الحديث عن دعوى في القضية أمام القضاء الفرنسي، على اعتبار أن جهة الانتاج المشاركة فرنسية، وأن المنتج الذي يقال أنه إستلم الجائزة فرنسي الجنسية.
وقد أثيرت هذه القضية في الأوساط السينمائية الثقافية في دمشق، بشكل أكبر، بعد أن تناولتها صحيفة “المستقبل” في عددها يوم الثلاثاء الماضي ـ تاريخ 26/2/2007، نشرت فيه، للمرة الأولى، تعليقات المخرج ملص في هذه القضية، ما أثار ردوداً وتعليقات مختلفة لدى الأطراف المعنية والمتابعة.
وصل “المستقبل” ردان من طرفين معنيين مباشرة بالقضية المذكورة، الأول من السيد محمد الأحمد مدير المؤسسةالعامة للسينما، والثاني من الروائي خالد خليفة، ننشرهما هنا:
***
من يشرب الحليب الفاسد؟
كنت، وما زلت، أؤمن بأن الحقيقة تولد في الجدل، قد يأخذ هذا الجدل شكل حوار موضوعي هادئ، وقد يأخذ شكل مشادة كلامية عنيفة، ولكنها، أي الحقيقة، تولد منه، من تلاقح أفكار متضادة متصارعة ومن الشرر المنبعث عن هذا التضاد والتصارع. وهذه الحقيقة تستمد غناها من غنى الطرفين المتجادلين، وتكتسب بؤسها وسوء حالها من بؤسهما وسوء حالهما.
لهذا لا يسوؤني أبداً أن أقرأ مقالات تنتقد إدارتي للمؤسسة العامة للسينما، أو تنتقدني أنا بالذات، ولا يسوؤني أن أرد عليها، طالما حمل هذا الأخذ والرد فائدة فكرية ما للقارئ، ولي شخصياً. وإنه لمما يشرفني، وأنا على رأس عملي كمدير للمؤسسة أو قبل ذلك، أنني شاركت في مناظرات نقدية وفكرية عديدة حول وضع السينما في بلدنا، بغض النظر عن طبيعتها الودية أو الخصامية. فالمهم هنا ليس اللهجة والنبرة، وليس المشاعر، وإنما الأفكار.
اعتذر من القارئ العزيز عن هذه المقدمة الطويلة التي أوردتها قبل أن أشرع في الرد على ما جاء في ما قاله المخرج السينمائي محمد ملص في جريدة المستقبل عدد الثلاثاء 27/2/2007. لقد اضطررت لتوضيح وجهة نظري هذه لأنني اكتشفت أن ما اعتبره بديهياً في الحوار والنقاش ليس كذلك بالنسبة للآخرين. مثلاً كنت أعتبر أن من البديهي ضرورة احترام الماهية الإنسانية للمحاور الخصم، وقبل ذلك احترام عقل القارئ وثقافته، ولكن تبين لي أن هذا كله ليس مهما بالنسبة لبعضهم، ومنهم السيد ملص. فالمهم، كما في قتال الشوارع، أن تعض خصمك في أي مكان تطاله منه، وأن تبصق عليه، وأن توسعه ضرباً، ولا فرق اين: تحت الحزام أو فوقه. لأن المسألة لم تعد مناظرة فكرية أو جدلاً سينمائياً وإنما “هوشة أعراب” حيث يعض كل واحد على طرف قمبازه ويملأ بما تيسر من الحصى والحجارة ويبدأ برشق الخصوم بها.
اعتبر بأن كلام ملص أدهشني وصدمني، ولكنه، في الوقت نفسه، أراحني. صدمني لأنني لم أتوقع أن مثل هذا الكلام الفاجر الغث المليء بالشتائم السوقية وخفة الدم الثقيلة والهجاء السقيم، الذي يخلو، بالمناسبة من أي لمعة أدبية، يمكن أن يصدر عن فنان مبدع كنت أكن لعمله السينمائي المحبة والإعجاب، وأراحني، لأنني، بالعودة الى مسألة “قتال الشوارع” إياها، تأكدت أن يد الرجل لم تمسني ولم تطالني رغم أنه أرهق نفسه في سعيه لكي يطرحني أرضاً.
كفانا، ولنخض في الموضوع مباشرة، فوقت القارئ من ذهب. سأتجاهل كل عبارات السب والتحقير التي حفل بها كلام أخينا وأتوقف عند ما استطعت العثور عليه من أشباح وأشباه الأفكار التي استطعت استخلاصها منه.
يقول محمد ملص: (أنا من يصنع نصي السينمائي الأخير، والسينما التي أحققها تقوم على هذا المبدأ، فكما يخرج الممثل في أفلامي من شخصيته ويدخل في الشخصية التي أريدها، وكما تخرج الكاميرا من أرقامها وتدخل الصورة التي أرسمها، فإن النص يدخل ويخرج في البناء الذي أطمح اليه. فالنص عندي وعند غيري وفي كل أشكال الإبداع، يخضع للمبدع وهو الذي يرسم شكله النهائي، وهذا حق وقانون العمل الفني).
فليسمح لي السيد ملص بالقول ان الممثل لا يخرج من شخصيته ويدخل في الشخصية التي تريدها فالشخصية ليست بيتا يمكن أن يغادره المرء وينتقل الى بيت آخر، وإنما يقاطع الممثل شخصيته، الواقعية والفنية، بالشخصية التي يريدها المخرج، فينتج عنه ذلك المركب الفريد الذي يدعى (أداء الدور). “هاملت” لدى شكسبير هو هو، لم يتغير عبر مئات السنين، ولكن “هاملت” لورنس أوليفييه غير “هاملت” سمكتونوفكسي، غير “هاملت” ميل غيبسون، رغم أنهم جميعاً أدوا الدور الذي كتبه “شكسبير”، وألقوا الحوار نفسه بحذافيره. لقد قاطع كل منهم شخصيته الفردية بشخصية شكسبير وبرؤية المخرج لها.
الممثلون ليسوا دمى، وهم لا ينفذون الأوامر فحسب، وإنما هم ذوات مبدعة يتمثلون الدور كما هو مكتوب، مضافاً اليه توجيهات المخرج، ثم يصنعون منه قطعة فنية تخصهم هم أولاً قبل أن تخص المخرج. لا يمكن إلا لمخرج نرجسي متضخم الذات أن يدعي بأنه يخرج الممثل من شخصيته ويدخله في الشخصية التي يريدها. والكاميرا أيضاً لا تخرج من أرقامها وتدخل الصورة التي ترسمها، وإنما أنت تكيف الصورة التي في ذهنك كي تتلاءم مع هذا المنجز العلمي الذي اشتغل عليه مئات العلماء والهواة والمبتكرين كي يقدموا لك وسيلة جديدة للتعبير والإبداع. وأنت وأفكارك وأخيلتك مقيدين بالمستوى التقني الذي وصلت اليه هذه الوسيلة. والأمر نفسه ينطبق على النص. المخرج يحقق فيلمه اعتماداً على نص، قد يكون هو من كتبه أو قد يكون غيره. وقد يخضع النص لتعديلات كثيرة ولكن نقطة الانطلاق لهذا الفيلم ولهذه التعديلات هو هذا النص. من يقرأ سيناريو (المرآة) الذي كتبه الكساندر ميشارين وأندريه تاركوفسكي، ويشاهد الفيلم الذي أخرجه الأخير يحس بفارق شاسع بينهما، ولكن تاركوفسكي لم يحذف اسم ميشارين من تيترات الفيلم، ويشاهد الفيلم الذي أخرجه الأخير يحس بفارق شاسع بينهما، ولكن تاركوفسكي لم يحذف اسم ميشارين من تيترات الفيلم، ولم يقل له: (أنا من يصنع نصي السينمائي الأخير)، ولم ينكر عليه حقه في الإبداع والوجود. لو أن كل مخرج اعتبر نفسه هو الذات المبدعة الوحيدة لفيلمه، لأعفانا هذا من مشقة قراءة هذه القوائم الطويلة من الأسماء التي تطالعنا في بداية ونهاية الفيلم، إذ يكفي أن نفتتح ونختتم الفيلم باسم المخرج وانتهى الأمر.
لقد ولدت السينما وتطورت كعمل جماعي، المخرج هو مايسترو الفيلم، بعصاه يحرك عشرات الآلات والأشخاص، ولكن من دون الفرقة الموسيقية سيغدو المايسترو وعصاه أشبه بمجنون يشاكس جدارا.
الكاتب يكتب النص، والمخرج يخرج الفيلم، والمصور يصور، والممثل يمثل، هذا ليس درساً في القراءة، وإنما حقيقة بسيطة واقعة، يصر البعض على التنكر لها لأنها تنسجم وعظمته المفترضة.
محمد ملص يصاب بحساسية شديدة من وجود أسماء الآخرين الى جانب اسمه. هذا هو السبب الأساسي لمشكلات محمد ملص مع الآخرين. سبق أن أوضحت هذا في ردي السابق وأعيد إيضاحه هنا. لقد تشاجر ملص بسبب هذا مع سمير ذكرى الذي شاركه كتابة سيناريو فيلمه الأول (أحلام المدينة)، وتشاجر مع أسامة محمد، شريكه في كتابة سيناريو فيلم (الليل)، ولكنه لم يحذف اسمه من تيترات الفيلم، وإنما حذفه عندما نشر السيناريو في كتاب، وها هو الآن يتشاجر مع خالد خليفة كاتب سيناريو فيلمه الأخير (باب المقام). المحصلة النهائية لإبداع ملص: ثلاثة أفلام روائية طويلة، وثلاث مشاجرات مع كتاب نصوص هذه الأفلام.
سأسوق هنا حكاية معبرة، تساعدنا في إلقاء الضوء على شخصية هذا المخرج السينمائي، فنياً وإنسانياً. عندما تسلمت إدارة المؤسسة العامة للسينما حاولت فك الطوق عن بعض السيناريوهات والمشاريع المجمدة. وكان بين هذه السيناريوهات سيناريو (سينما الدنيا) لمحمد ملص الذي كان مرفوضاً بالإجماع من قبل اللجنة الفكرية السابقة بسبب (ذاتيته المفرطة). فالفيلم هو استمرار لسيرة ملص الذاتية التي دأب على تصويرها منذ نعومة أظافره السينمائية، قبل أن تتحول هذه الأظفار الى مخالب. وقد التقيت بملص وأوضحت له رغبتي في طرح السيناريو مجدداً على اللجنة الفكرية التي أعيد تشكيلها، فرحب الرجل بالفكرة وشكرني. ولكن، وقبل أن نناقش السيناريو، أتاني كتاب من زوجة محمد ملص السابقة وأم ولديه أمية وعمر، تقول فيه بالحرف:
السيد المدير العام للمؤسسة العامة للسينما
بعد اطلاعي على ما يسمى “السيناريو الأدبي” لفيلم سينما الدنيا من تأليف السيد محمد ملص والذي يتناول جوانب من حياتنا الزوجية والعائلية بشكل تشهيري ومهين، وخارج عما تحدده أخلاقنا وقيمنا والقوانين الشرعية والأدبية. لذا أضع في علمكم أنني في سبيلي الى مقاضاة مؤلف النص المذكور قانونياً وفي حال أصرت المؤسسة العامة للسينما على تحويل هذا النص الى فيلم سينمائي فإنني سأجد نفسي مضطرة الى مقاضاة المؤسسة العامة للسينما قانونياً. وهذا ما لا أتمناه. يرجى أخذ العلم واتخاذ الإجراءات المناسبة بحيث لا تستغل مؤسستكم كمؤسسة حكومية لأهداف ومآرب وأمراض شخصية. وشكراً.
نبيلة أبو الشامات
22/7/2001
استدعيت المستشار القانوني للمؤسسة وأطلعته على السيناريو وكتاب الزوجة، فأكد لي أنها تستطيع وقف الفيلم ببساطة. أخيراً عقدنا اجتماعاً للجنة الفكرية بحضور المستشار القانوني ودعونا اليه محمد ملص وبسطنا الموضوع امامه طالبين منه حذف الفقرات المتعلقة بزوجته، فكان رده: أنتم تخطئون إذ تسمحون للقضاء بالتدخل في عملكم، حينئذ اضطررنا لأن نعطيه درساً في التاريخ والجغرافيا وبقية العلوم الإنسانية مفاده أن سورية دولة مثلها مثل غيرها فيها أنظمة وقوانين وهيئات تشريعية وأخرى تنفيذية، وأن لا أحد فيها فوق القانون.
مرة أخرى لا يمكن إلا لمخرج نرجسي متضخم الذات أن يضع نفسه فوق القانون وفوق حقوق الآخرين، ويتناسى واجباته هو تجاه هؤلاء الآخرين.
بعد أن أغلقت أبواب العمل أمام محمد ملص في سورية، بسبب مقاطعة الجميع له، بمن فيهم أصدقاء عمره وأقرب المقربين اليه، بعد اكتشافهم دناءة طباعه وجنون عظمته، اتجه الى مصر. وقد استقبل هناك بحفاوة بسبب الفيلمين اللذين انتجتهما له المؤسسة العامة للسينما: (أحلام المدينة)، و(الليل)، ولكن لم يحتج الأمر الى وقت طويل كي ينكشف أمره هناك فيعود الى سورية بخفي حنين، مصحوباً بلعنات أشقائنا الفنانين والسينمائيين المصريين.
أحب أن أتوقف قليلاً عند القول بأننا قد لفقنا التصريحات التي نسبت اليه والتي تفيد بأن فيلم “باب المقام” منع من التصوير والعرض في سورية. من المتعارف عليه في عالم الصحافة أن الخبر يصبح قابلاً للنشر والتداول اعلاميا اذا ما أتى من مصدرين مستقلين. تصريحات محمد ملص المشار اليها، والتي كذبنا ما جاء فيها حينئذ عبر وكالة (سانا) للأنباء، أتت من ثلاثة مصادر مستقلة هي: قناة الجزيرة الفضائية وجريدة (القدس العربي) وجريدة (بيان اليوم) في عدديهما الصادرين بتاريخ 16/11/2005.
هذه لعبة يتقنها محمد ملص، فهو، خارج سورية، يلبس لبوس الرجل المعارض المضطهد بسبب قناعاته السياسية، أما داخل سورية فهو في شهر عسل مستمر مع كل رجالات الحكم والحكومة. عرفت هذا ولمسته بالتجربة الشخصية. فعندما اوقفنا مشروع فيلم (سينما الدنيا) للأسباب التي ذكرتها اعلاه تلقيت اتصالات من جهات لا تخطر على البال، تتوسط من اجل تحقيق هذا المشروع، ولكن المتصلين كانوا يتراجعون عن وساطتهم عندما كنت اشرح لهم الماهيتين القانونية والأخلاقية للمشكلة.
لقد نفى محمد ملص تصريحاته المثيرة للجدل في صحيفة (تشرين) السورية، فكان بذلك يطبق المثل القائل: (يشتمني في الحي ثم يعتذر مني في البيت)، فبعدما ادلى بتصريحاته هذه امام وسائل اعلام مقروءة ومشاهدة في كل العالم العربي، عاد فنفاها في جريدة لا يقرأها أحد خارج سورية. اضافة الى هذا كله: قليل من اللغط والفضائح حول (باب المقام) مفيد كدعاية للفيلم قبل عرضه.
عندما يكون الواعز الأخلاقي غائباً فان كل شيء مباح.
مسألة أخرى سأتوقف عندها. حاول الرد المنشور في جريدة (المستقبل) ان يصور المؤسسة مهملة لدورها كونها لم تعلم بأمر جائزة (باب المقام) في مهرجان فالنسيا عام 2005 الا في وقت متأخر، او انها علمت بالأمر في حينه ولكنها لم تتدخل الا الآن.
أولاً عندما نقول ان المؤسسة العامة للسينما هي الجهة الرسمية الوحيدة المعنية بالشأن السينمائي في سورية، أو المشرفة على المشهد السينمائي السوري، فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أننا نصبنا انفسنا أوصياء على السينما السورية، وإنما هو يعني بالتحديد مسؤوليتنا الأخلاقية لما يحدث في وللسينما السورية، ووعينا لهذه المسؤولية. عندما تشاهد شاباً مفتول العضلات يشتم عجوزاً أو يضرب طفلا في الشارع، يمكنك ان تدير ظهرك لما يجري وتنصرف بدعوى ان أحداً لم ينصبك حامياً للنظام والقانون، ولكنك عندما تستذكر هذا الذي حدث، في المقبل من الأيام فلن يهدأ لك مضجع.
ان دورنا في قضية ملص ـ خليفة لا يتعدى دور الشاهد الذي رأى وسمع وعرف ما حدث بدقة. ونحن لن نتراجع عن أداء هذا الدور طالما ان فيه احقاقاً للحق وانكاراً للباطل.
أما اتهامنا بالتقصير لأننا نتدخل عام 2005 من أجل تلك الجائزة فهو اتهام في غير محله. نحن لسنا معنيين، لا قانونياً ولا ادارياً ولا أخلاقياً، بأن نتصل بالفائزين في مهرجانات السينما للتحقق من وصول الجوائز اليهم. ولكننا معنيون بالادلاء بشهادتنا عندما يطلب منا الطرف المظلوم ذلك، وعندما تكون هذه الشهادة حاسمة في كشف الغطاء عن الحقيقة. وهذا ما فعلناه في هذه القضية، التي لا نشك في انها ستكون وصمة عار في سجل محمد ملص الانساني والأخلاقي، تضاف الى وصمات العار التي سبقتها.
ليست المشكلة اذن في مسؤولية او عدم مسؤولية المؤسسة عن جائزة ما في مهرجان ما لفيلم لا علاقة لها به، وانما المشكلة ولب القضية في مخرج سينمائي ينكر على مبدع آخر الجهد الذي قدمه لهذا المخرج في تحقيق فيلمه. وهنا فلنحط الرحال.
لا شيء أسوأ من رؤية مبدع تحب انتاجه الفني وهو يتداعى امامك أخلاقياً وإنسانياً، وأن تشاهد شخصاً حياً يتفسخ أمامك كأسوأ جثة. ولكن هكذا هي دراما الحياة. جان جينيه كاتب مسرحي عظيم، ولكنه لص بالمعنى الجنائي للكلمة. ومهما كنت تحب كتابته فأنت لن تفكر في دعوته الى بيتك، لأنك تعلم بأنه سيسطو على هذا البيت. على كل تظل اللصوصية اخف وطأة بكثير من جنون العظمة.
ثمة نقطة لم افهمها. يقول ملص عني بأنني كنت ما أزال اشرب الحليب عندما كان هو ورفاقه من السينمائيين يصنعون افلامهم. طيب بماذا ينبغي أن يدينني أو يهينني هذا الكلام؟ وهل يضير فيلليني أو انطونيوني أو بيرغمان مثلا أنهم كانوا يشربون الحليب عندما كان غريفيث يبدع أفلامه، منطق غريب فعلاً، ولكنني سأقول له أين وجه الإدانة: المهم يا سيد ملص ألا يكون الحليب الذي تتربى عليه فاسداً، فيخرب روحك، ويمس مصداقيتك، وينخر أسنانك، فتخرج كلماتك البذيئة وقد فاحت منها رائحة عفونة نادرة.
أخيراً، وللأسف، فقد وجدت نفسي فجأة، ومن دون أن أدري، في مشاجرة سوقية مع صاحب دكان أهوج، كنت أتمنى ألا أخوضها، ولكنني حاولت قدر الامكان أن أحول هذه المشاجرة السوقية إلى ما يشبه جدلاً تولد منه الحقيقة. إذا كنت قد افلحت ولو في تحقيق نسبة ضئيلة مما أردت، فسأعتبر ان المسألة قد استحقت هذا العناء.
محمد الأحمد
(المدير العام للمؤسسة العامة للسينما في سورية)
.. وخالد خليفة يرد:
عن أي شرف تتحدث ياملص؟
أستطيع تفهم رد فعلك الهستيري، كما استطيع تفهم عربدتك بالشتائم والتقليل من قيمة الآخرين، فهذا طبعك أيها السيد ملص، ولكنني لا أستطيع تفهم حديثك عن الشرف الذي ترفض منحه اياي، كما لا استطيع تفهم حجم اخطائك الفاحشة التي ترقى الى مستوى محاسبة كل قوانين الأرض عليها، وفوق كل هذا تتحدث كأننا نحن الذين نهبنا حقوقك المادية والمعنوية، وببراءتك التي يعرفها كل السينمائيين العرب تعلن ببساطة بأنك لا تعرف شيئاً عن الجائزة ولم يصلك اي شيء خطي من مهرجان فالنسيا وأنت المعروف للقاصي والداني بأن اي تنويه بفيلم لك حتى لو كان من الاتحاد الانساني او شبيبة الثورة تطبل وتزمر به على الاقل لمدة اسبوع، وفي كل الصحف التي تطالها يداك، فكم أنت بريء ايها المخرج العظيم الذي منحت مدينتي حلب شرف اخراج فيلم بمفردك “دون تعاون فني مع اسامة محمد وهالة العبد الله” تجري احداثه في شوارعها ومنازلها، وفي هذا الفيلم اثبت بالدليل القاطع كم انت عبقري!!! ستبقى بصماته في السينما العالمية لقرون!!! وسيدرس اسلوبك الاخراجي في أرقى الماهد العالمية، وكم أنت نزيه مع شركائك الى درجة بأن ممثلي الفيلم لم يشاهدوا عملهم حتى الآن، وكم أنت نزيه أيضاً حين تصف محمد الأحمد بمسؤول مخفر سينمائي رغم انك ما زلت طليقاً حتى الآن.
استطيع تفهم فقدانك لأعصابك، لكنني حتى هذه اللحظة لا استطيع تفهم كيف اصبحت مخرجاً فعلاً، ولن أنسى في حياتي ما حييت اللحظة الأولى لمشاهدتي لفيلمي “باب المقام” وخيبتي الكبيرة، ومن وقتها بدأ البحث عمن صنعك مخرجا، ويقينا لن اسامح اسامة محمد وعمر أميرالاي وسمير ذكرى وهالة العبد الله ولا مؤسسة السينما بكل مدرائها، عما اقترفت اياديهم بحق الثقافة السورية، وأطالبهم وسأبقى اطالبهم باعتذار واضح وصريح للثقافة السورية ولأبناء جيلي بالتحديد، وكم كنت اتمنى لو ان المرحوم شريف شاكر لم يغادرنا كي يشهد أيضاً فقدانك لأعصابك، وأطالبه بالاعتذار.
أما عن حديثك بأنك “تربيت على احترام المفردة والكلمة والقلم والصورة” فكل من يعرفك وأنا واحد منهم يعرف كم انت تحترم ما ذكرت، ولا داعي لتذكيرنا بثوابتك بجمل انشائية، ولن أنسى في حياتي ايضا يوم كنت في منزلك حين وقفت وقلت لي بالحرف الواحد “ستعرف يا خالد كم انا نزيه” وها آنا عرفت كم انت نزيه!!! الى درجة بأنني ذهبت الى المحاكم السورية منذ سنة “أول جلسة كانت في شهر آذار عام 2006 وما زالت المحاكمة مستمرة” وسأذهب الشهر القادم الى محاكم باريس مع كل محبيك الذين تركت في أنفسهم اعمق الاثر الانساني، كي نشهد كم كنت نزيهاً!!! وكم كنت معارضا في الخارج ومناضلاً صلباً من أجل حقوق الانسان!!!
أما في الداخل سيشهد ذات يوم مدراء التلفزيون السوري على مواقفك المبدئية، وفقط سيذكرون اسماء الأشخاص الذين يتصلون بادارة التلفزيون للعناية بك وتلميع صورتك، فقط سيذكرون ذات يوم اسماء الأشخاص ومناصبهم بالطبع، كما ستشهد ذات يوم مؤسسة السينما التي تعتبر شتمها جزءاً من موروثك المحترم، كما قبول تكريمها بشتى المناسبات جزءاً من موروثك، ولن أنسى كما لن ينسى الكثير من المهتمين يوم تكريمك مع مجموعة سينمانيين وقبولك الجلوس على كرسي بحر ولكن كنبي منتظر لم تعرف الأمة التافهة قيمته لتخرج وتسبح بحمده.
أما وصفك المقزز لمحمد الأحمد بالملا محمد، حسنا فعلت، فهو اكثر شخص يعرف كونه “ملا” ماذا جرى في ذلك اللقاء الشهير بين السيد مفتي سوريا المرحوم الشيخ احمد كفتارو ومسؤولين سوريين، واذا احببت في اول فرصة نروي لك الحكاية كاملة، كي يستمتع بطرافتها القراء والمهتمين من زملائك السينمانيين العرب، وتستطيع تكذيبها كما كذبت تصريحاتك في المغرب عبر تصريحك لجريدة تشرين!!! حول منعك من تصويرك للفيلم في سوريا، بينما فرنسا العزيزة فتحت لك ذراعيها.
وها نحن نطالب الملا محمد الأحمد بكشفه لتفاصيل ذلك اللقاء الشهير قبل ان يغادرنا بقية الشهود، كما نطالبه بالكشف عن لصوص “الليل” الذين تتحدث عنهم، خاصة الذين سرقوا الكتاب من كاتبه في “الليل”.
عن اي شرف تتحدث يا ملص؟ أما عن الشارع فكم أنا فخور وسأبقى بانتمائي للشارع بكل دلالاته الذي تتحدث عنه باشمئزاز، خاصة وانك معروف بانتمائك الى اكابرية البلد ونحن ابناء “دفاتر القرباط”، اما المحكمة فأنت تعرف ايها السيد المحترم بأن اية محكمة تبني قوانينها الأساسية على قاعدة شهيرة “فاقد الشيء لا يعطيه”، وأنصحك بأن تتحدث عن كل شيء الا الشرف الذي تحرمني منه.
نشرت على موقع شبكة فولتير هنا