مديح الكراهية تتعرض لتابوه ليس من السهل اختراقه – حوار مع الروائي والسيناريست السوري خالد خليفة

خالد خليفة

حاوره إبراهيم قعدوني: خالد خليفة كاتب روائي وسيناريست سوري، مولود في قرية أورم الصغرى، ريف حلب1964، ‏حاصل على الإجازة في الحقوق من جامعة حلب 1988.‏ في مقهى الروضة في وسط دمشق، أحد الأماكن التي يحرص خالد لى ارتيادها بشكل متواتر ‏حيث يجتمع الأصدقاء تمهيداً لترتيب تفاصيل الولوج إلى ليل دمشق المحتدم بالسمر والأكواب ‏والثرثرات، كان لإيلاف الحوار التالي معه: ‏

– خالد خليفة؛ لا تحب البدلات الرسمية ولا ربطات العنق، هادئ دائماً وبحس تهكمي عالي تجاه ‏الحياة، كيف لك أن تخبرنا عن علاقتك بالكتابة وبداياتها؟ لمَ اخترت الرواية في وقت كان النص ‏الشعري يطغى على المشهد السوري إذا ما أحلنا الأمر إلى الفترة التي بدأت فيها الكتابة؟. ‏
ج: كتبت الشعر قرابة العشر سنوات، وكنت واحداً من شعراء ملتقى جامعة حلب الشهير، لكنني ‏أحسست بأن الشعر لن يكون وسيلة تعبيري التي أريد عبرها قول ما أفكر فيه، ولم يغرني لقب ‏الشاعر في يوم من الأيام، وفكرة بداية كتابتي للرواية كانت أشبه بالرعب، فرغم وصفك لي ‏بحسي التهكمي فأنا جاد جداً بكل مايتعلق بمهنتي وأقصد بالكتابة، مازلت أحتفظ بمئات القصائد، ‏أقرأها لأصدقائي أحياناً في السهرات، وأرفض نشرها، في النهاية هي تمارين أولية على اللغة. ‏بدأت بالنشر في الصحف السورية لبعض قصائدي كان عمري خمسة عشر عاماً، وتوقفت عن ‏نشر الشعر وعمري سبعة عشر عاماً. ‏

– يمكن الحديث عن أجيال أدبية، فيما يتعلق بالرواية تحديداً، أين تجد موقعك الآن بالنسبة للرواة ” ‏الآباء ” سورياً وعربياً (نتحدث عنهم كتيارات ومدى تأثرك بتيار معين)؟ كيف تنظر إلى تاريخ ‏الرواية سورياً؟ ‏
ج: كان يجب أن يقول النقاد أين أنا من أجيال وتيارات الرواية السورية خاصة بعد صدور ‏روايتي الأولى “حارس الخديعة” التي سيزال ذات يوم الغبار عن إهمالها الشديد، والتي شكلت ‏بالنسبة لي النواة الأساسية للإفتراق عن كل الرواية السورية والعربية بكل تياراتها، فالتجريب ‏والحماقة واللغة الشعرية والخروج عن الزمن والمكان المتعارف عليه في السرد العربي، كلها ‏عناوين ” حارس الخديعة ” روايتي الأولى، وهذا الإفتراق مستمر، كثيراً ماأفكر كيف سأكتب ‏وليس ماذا سأكتب، تغريني فكرة الذهاب بمغامرات تقنية رغم أن الجو العام يستدعي منك الركون ‏إلى السهولة كي تحظى بفكرة إنتشار واسع خاصة بعد صدمة النقاد والمتابعين لشؤون الرواية ‏بالإنتشار الواسع لأعمال علاء الأسواني ورجاء الصانع مثلاً.‏
أما عن تاريخ الرواية السورية فلايمكن إختصار تجارب مهمة كتجربة هاني الراهب وحنا مينة ‏على عجل، إلا أنه من الملاحظ بأن الرواية السورية كانت دوماً متماهية مع الرواية المصرية ‏دون أن تحظى بشرف لقب المركز فبقيت رواية أطراف وصدى لأفكار اليسار.‏

– في مديح الكراهية، روايتك الأخيرة جنحت نحو “التوثيقي” الذي يتعرض “للسياسي” بوصفه ‏محوراً لحركة النص، على أنّ رواياتك السابقة (حارس الخديعة) و (دفاتر القرباط)، غلبت ‏عليها صفة السرد الذاتي الأقرب إلى فضاء السيرة الذاتية، كيف تنظر إلى “مديح الكراهية” ضمن ‏سياق تجربتك مع النص؟ ‏
ج: لم تجنح “مديح الكراهية” نحو التوثيقي على حد تعبيرك رغم أنها بدت هكذا، ولم تتخلى عن ‏أدوات الرواية كالتخييل الذي أعتبر بأنه لاقيمة للفن الروائي بدونه، وقد تكون مديح الكراهية هي ‏الأقرب لروي سيرة جيل أنا واحد منه كان شاهداً ذات يوم على كل هذا العنف والخراب، ‏ومشهدها البانورامي الواسع جعلها رواية تروي سيرة بلد بأكمله خلال سنوات معينة أكثر منها ‏رواية تروي تاريخ أسرة أو مدينة.‏

– هل تتفق معي بأنّ رواية مديح الكراهية هي مغامرة رقابية بالنسبة للمشهد السوري؟ ألا تعتقد أنك ‏تعرضت لأحد التابوهات الرقابية في معالجتك لحقبة الثمانينات سورياً؟ ألم تتوقع أن تتعرض ‏للمتاعب خصوصاً وأنك تمسكت بإصدار الرواية من دمشق وعن دار نشر سورية؟ ‏
ج: حين كنت أكتب مديح الكراهية كان لدي إحساس بأنني أتعرض لتابو ليس من السهل إختراقه ‏أو الكتابة عنه، لكن لم يكن لدي سوى خيار الذهاب إلى نهاية الأشياء والتحلي بالحماقة المطلوبة ‏لإنجاز مثل هذا النص في مثل هذا الوقت التي تسود الساحة العربية من محيطها إلى خليجها ‏دعوات التكفير، ولكنني رغم كل شيء كان خيار الإنحياز للناس هو الأساس، وأعتقد بأنه قدم لي ‏نوع من الطمأنينية، ولكنها رغم ذلك صدرت عن دار نشر سورية لكن من بيروت، وخياري ‏النهائي بأنني لن أقدم أي كتاب لي ليراقبه إتحاد الكتاب العرب.‏
‏ ‏
‏- ‏هناك سمة ملحوظة في السرديات العربية الراهنة، تتعلق بمسألة” كتابة التاريخ والتأريخ الذاتي في الرواية”، انطلاقا من ضرورة مساءلة مناطق جديدة من ‎التاريخ العام، في مختلف أبعاده الإنسانية والزمنية والتخييلية، وإعادة إنتاجه نصّيّاً، ‏هل يغيٍّب ذلك برأيك موضوعة الكينونة والذات ورغائبها ‎وصراعاتها الداخلية وتجاربها في ‏الحياة؟ ألا يمكن البحث عن خطاب جديد يصل‏‎ ‎التاريخ الفردي بالتاريخ العام، بالأبعاد المعرفية ‏والشعورية، وذلك في إطار نوع من‎ ‎التفاعل القائم بين هاتين المنطقتين والفضائيين‎..‎
ج: الرواية دوماً تبحث عن الخطاب الذي يصل التاريخ الفردي بالتاريخ العام، ولكن ماجرى في ‏الرواية العربية أنها أعادت كتابة التاريخ وتخلت عن التاريخ الشخصي لصالح مفاهيم إيدلوجية ‏ثابتة، ووقعت في فخ آخر هو الإبتعاد عن الذاتي، لكن الآن بدأت الرواية العربية بطرح أسئلة ‏الذات، وهذا لايعني بالمطلق تخليها عن الأسئلة العامة أو التي تهم التاريخ وإعادة كتابته.‏

– ثمة أقوال راجت مؤخراً في الأوساط الثقافية تشير إلى أننا (عربياً) دخلنا في زمن الرواية وأنه ‏تم إفراغ المزيد من رفوف المكتبات لصالح الرواية؟ هل تتفق مع ذلك؟ ‏
ج: لسنا وحدنا في زمن الرواية، اليوم في كل العالم تحتل الرواية مكانة الفن رقم واحد مع السينما ‏وفنون بصرية آخرى، لكن لاأعتقد بأن العرب تخلوا عن الشعر، فأمسيات محمود درويش وقراءة ‏كتبه وكتب أدونيس وشعراء آخرين يحققون نجاحات كبيرة في مجتماتهم المحلية تجعل من نظرية ‏موت الشعر نظرية غير صحيحة.‏

– يشهد السرد العربي تحولات مهمة وهو يؤسس أفق نصه الروائي بهواجس أكثر عمقاً، وينتج ‏أشكال سردية جديدة، هل يمكن برأيك الحديث عن حركة نقدية تواكب ما تكتبون، أنتم الرواة ‏المعاصرون؟ ‏
ج:‏ الحركة النقدية العربية مازالت قاصرة، خاصة وأن مايتحكم بهذه الحركة هو مجموعة مصالح ‏غير مرئية في تكريس أسماء بعينها، تخيل لو أن محرراً ثقافياً في إحدى الصحف العربية المهمة ‏كتب رواية وكاتب آخر علاقة له بالمشهد أصدر رواية هو الآخر، بإمكانك توقّع حالة الإهمال ‏التي سينالها الكاتب “المحايد”. والشيء الأساسي بأن النقد العربي لم يستطع إقامة ومد جسور ‏الثقة بينه وبين القراء الذين هم هدف هذا النقد، فكتابة ناقد كبير عن رواية لايعني المزيد من ‏المبيعات مثلاً، وللأسف لايتساءل النقاد عن سبب هذه الهوة بينهم وبين القراء، وأنا شخصياً أقرأ ‏أحياناً مراجعات صحفية لنقاد كبار يمتدحون أعمالاً في غاية التفاهة، ويتجاهلون أعمالاً مهمة، ‏وجيلنا لم ينتج نقاده بعد، وأعتقد بأن الأمر أصبح ملحاً لدرجة بأنه لن يقرأ نتاجنا سوى عبر نقاد ‏من هذا الجيل، مع إستثناءات قليلة.‏

– يحاول الكثيرون إلحاق الثقافي و الأدبي بالسياسي، ربما تكون روايتك مادة ملائمة ليتلقفها ‏الكثيرون وليتم توظيفها سياسياً، كيف تنظر إلى علاقة الأدب بالسياسة؟ و هل يجب على الكاتب ‏أن يركن إلى موقف سياسي، أم أنه يتحرر بقدر ابتعاده عن السياسة (كموقف واشتغال)؟ ‏
ج: لاأستطيع منع أي أحد من توظيف روايتي رغم عدم موافقتي على هذا التوظيف الذي يختصر ‏النص دوماً إلى مجموعة مفاهيم ثابتة، وقدر الكاتب العربي أن لايبتعد عن السياسة، فكل هذا ‏الخراب الذي تنتجه السياسة من حولنا لاتستطيع تجاهله، ولكن الإشتغال بالسياسة أمر آخر، ‏أستطيع التحدث عن تجربتي تاركاً الآخرين لتنظيراتهم، كلما إقتربت من العمل السياسي إبتعدت ‏بالضرورة عن العمل الفني أو الكتابة، وأنا من حزب الكتابة ضد كل الأحزاب.‏

-هنالك إقبال‎ ‎متزايد على استيحاء التاريخ الذاتي في النسق الروائي الجديد عربياً، سواء تم ‏ذلك في إطار فضاء السيرة الذاتية، أو‎ ‎في رواية المذكرات و التخييل‎ ‎المتجه نحو الذات وغيرها، ‏هل يلقى ذلك رواجاً قرائياً برأيك؟ أم أن القارئ العربي مازال متعلقاً برواية: الشأن العام ” شأن ‏الكثير من مفردات حياته؟! ‏
ج: السؤال الأساسي ليس ماذا نكتب، سيرة ذاتية أم عملاً تاريخياً أو….بل هو كيف نكتب، أي ‏عمل مكتوب بشكل جيد سيمارس حضوره لدى المتلقين، حتى لو تأخر هذا الحضور أحياناً ‏لسنوات، والقارئ العربي يشبه أي قارئ يبحث عن المتعة أولاً في أية قراءة، إذا كتبت أعظم ‏الأفكار بطريقة مملة لن تستطيع جذب القارئ ولن تستطيع التشكي منه أيضاً.‏
‏ ‏
– كيف تنظر إلى الرواية السورية المعاصرة، هل يمكن الحديث عن جيل روائي جديد ‏في سوريا منعتق من نظريات الآباء محلياً وعربياً؟ ‏
ج: نعم هناك جيل كامل من الروائيين العرب عموماً والرواية السورية خصوصاً منعتق من ‏تجربة الآباء ولكن مازلنا حتى الآن لانجرؤ على المراجعة أو قول رأي جريء بتجربة هؤلء ‏الآباء، فأي رأي في كاتب مكرس يعتبر بالنسبة للثقافة العربية قلة أدب وتجاوز للحدود ‏المسموحة.‏

– من هو الروائي المفضل لخالد خليفة؟ ‏
ج: دوستوفسكي، وليم فوكنر، هنري ميللر وعربياً نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف.‏

– دعنا نعود الى الوراء قليلاً.. كيف تنظر إلى تعاطي المشهد الإعلامي والثقافي السوري مع خبر ‏ترشيح روايتك “مديح الكراهية” للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية)؟ هل نال الخبر ‏الاهتمام الوافي؟ ‏
ج: إعتدنا منذ زمن بعيد على تجاهل الإعلام السوري لإنجازات السوريين، أو بعض السوريين، ‏لذلك لم يكن مفاجئاً لي إنتظار الخبر ثلاثة أيام ليحظى بخبر صغير في جريدة الثورة، بينما ‏الإعلام الخاص ” تلفزيون دنيا، موقع الجمل، ومواقع الإنترنيت الآخرى” تعاطت مع الموضوع ‏بمهنية أكبر، أما عن المشهد الثقافي السوري، سأحتفظ بالجواب والتفاصيل لنفسي، ففي النهاية لم ‏يستطع السوريون حتى الآن أن يفهموا بأن العمل على الإنتشار بشكل فردي لن يقدم إنجازات ‏الرواية السورية إلى القراء العرب والعالم.‏

– هل استطاعت “بوكر” بنسختها العربية التحرر من التقييم السلطوي والمؤسساتي والذي يدعم ‏لأسباب مكشوفة بعض الأسماء دون غيرها؟ كيف تنظر إلى ظاهرة “البوكر” عربياً؟ وللجدل ‏الذي أثارته، وهل ركنت الجائزة في انتقائها الأعمال المرشحة إلى ما هو “مهمَّش”؟ ‏
ج: حاولت بوكر العربية أن تنعتق وتتحرر من التقييم السلطوي، لكن أعتقد بأن الدورة الأولى ‏كانت صعبة على الجميع، لجنة التحكيم والكتاب المشاركين، والمؤسسة الراعية، ولكنني أعتقد بأن ‏مراجعة التجربة الأولى مراجعة جدية سيجعل من بوكر العربية بعد عدة دورات الجائزة الحقيقية ‏الوحيدة في الوطن العربي، فالدورات المقبلة ستحدد.‏
– قلت في فعاليات مؤتمر الرواية العربية أنه “لا يوجد لدينا رواية جديدة”! وقد اعترضت الكاتبة ‏سلوى بكر سائلةً خالد خليفة أن يشمّر عن ساعديه ويقدم “الكتابة الجديدة”، هل ترى نصك ‏الروائي كنص جديد وذو مزية خاصة؟ ‏
ج: قيل الكثير عن هذا وبدا كأنه معركة أو ملاسنة بيني وبين الروائية الكبيرة سلوى بكر، هو ‏رأي قلته، أجابت سلوى بكر وأوضحت وإنتهى الموضوع، أنا مازلت مصمماً على ضرورة ‏مراجعة تجربة الكتاب الكبار قبل الكتاب الشباب، فالكثير من الوهم يسود حول أهمية الكثير من ‏ألأسماء المكرسة تاريخياً، ومازلت مصمماً أيضاً أن معظم مايكتبه شباب ويروج على أنه رواية ‏جديدة ماهو إلا تمارين مبتدئين في كتابة الرواية، يكفي الرواية العربية أوهاماً.‏

– خالد، كروائي وسيناريست، هل تفكّر بالذهاب في ” مديح الكراهية ” إلى الشاشة الصغيرة أو إلى ‏صالة العرض؟ ‏
ج: لاأفكر على الإطلاق بهذا ولن أسمح به، أو على الأقل خلال السنوات العشر المقبلة.‏

خالد خليفة: ‏‎روائي وسينارست‎ له ثلاث روايات صادرة: حارس الخديعة 1993/‎ ‎دفاتر القرباط‎‎ /2000 ‎مديح الكراهية 2006‏‎/. وله العديد من الاعمال التلفزيونية أبرزها: مسلسل سيرة آل الجلالي 27 حلقة إخراج هيثم حقي1999/ ‎مسلسل قوس قزح 30 حلقة إخراج هيثم حقي 2001‏‎/ مسلسل أهل المدينة 30 حلقة‏‎ ‎إخراج بسام سعد 2004‏‎. وكذلك العديد من الاعمال السينمائية: منها ‎سهرة مهذبة 8 دقائق؛ بطولة فارس حلو وإخراج بسام كوسا 2001/ باب المقام؛ روائي طويل؛ إخراج محمد ملص 2003‏‎ /

نشرت على الحوار المتمدن هنا

المصدر
الحوار المتمدن
زر الذهاب إلى الأعلى