في كِتابةِ الحَريقِ
لا تشعُر بألَمِ النَّاسوتِ
تطارِدُك … تتلبَّسُك
تقولُ لكَ : أنا الآلهة المُحَرِّكُة لِلوُجودِ و العَدَمِ و مُقلبة الحياة إلى الموت .. و الموت إلى الحياة ..
في كِتابةِ الرَّحيقِ
رحيق الكتب
لا تشعُرُ بشيْءٍ
و أنتَ تتبخَّرُ معَ عِطرِها
تهرُبُ منكَ
تطارِدُها …
تقولُ لكَ : أنتَ حَتْفي .. أنتَ رب الكتاب
أنتَ الذي يستحضِرُني
قبلَ الكتابة و بعدَها ..
كما لو أنَّكَ تستحضِرُ تفاعُلاً كِيميائيَّاً
لِعناصِرَ نادرةٍ و مُلَبَّكةٍ على الاحتِراقِ ..
تستحضِرُ الأسرار إليها
لِلقصيدةِ ..
للراوية ..
و تُفشِيها لِلماءِ و القمرِ و لِوردةِ الأبعادِ ..
تُفشِيها للقراء في كل الدنيا ..
مروان خورشيد/ شاعر
ملاحظة صغيرة على هامش النص ، صغيرة جداً و بديهية :
يعرب العيسى لما راح يزور خالد ، وجده ميتاً على الأريكة لوحده ، لوحده ، لوحده ، لوحده مفارقاً الحياة …. رغم عنده أصدقاء بعدد حبات التراب في أورم الصغرى أو في مريمين قريته في ريف عفرين بحلب .
نحن عنّا أصدقاء بعدد النجوم و نموت لوحدنا قبل أن نكمل الستين بثلاثة أشهر فقط ، فقط ، فقط .
خالد لو بقي معنا ثلاثة أشهر أخرى حتى 1 يناير 2024 كنا نحن جميع اصدقائه سنحتفل به و نرسل له التبريكات و هو يدخل ستينه بمجدٍ كبير ، و أيضاً الأصدقاء الذين على الورق سيرسلون هم أيضاً له التبريكات الكاذبة على الفيس او على الماسنجر عابر القارات .
لماذا نختار أن نموت في وحدتنا ؟
هل برغبة مننا ؟
هل أحد سأل خالد لماذا تريد أن تموت في عزلتك في بيتك و انت وحدك ؟
هل خالد نفسه يستطيع الآن أن يجيبكم على هذا السؤال و خاصة أنه ذاق النتيجة و عرف لذة الموت وحيداً ؟
هذا و خالد أوسط إخوته السبع ، الولد رقم 4 كما أنا أوسط اخوتي الاحدعشر ، الولد رقم 6.
هو دوما كان في وسط اصدقائه و عاش الحياة طولاً و عرضاً ثم لما ذهب الصحفي يعرب العيسى اخر اصدقائه الواصلين اليه ، يعرب الذي كان يعيش معه اخر الأيام .. وجده على الأريكة ميتاً.
السؤال كم دقيقة أو كم ساعة تأخر يعرب عن الوصول لخالد ؟
حتى الصحف تكتب لقد اسعفناه و لكن عندما وصل كان ميتاً في قلبه من ساعات.
ترى لو يعرب أيضا لم يزره مساء السبت ، هل كنا لليوم نكتب له الرسائل على الماسنجر و حين لا يرد سنقول بأنه مشغول بالكتابة.
أنا لا ألومكم يا أصدقاء ، نحن نختار الوحدة و العزلة من أجل أن نكتب لكم شئتم أم لا ، هل تعتقدون بأن الكتابة ترف عندنا ؟ هل كانت الكتابة ترف و رفاهية عند خالد ؟
هل تعرفون أن كتّاباً و شعراء كثر يعيشون وحدهم في هذه الحياة ، هل تريدون أن أذكر بعضهم و هم بالمئات ؟ سلام حلوم صديق خالد يعيش لوحده في عزلته في هولندا .. انور عمران بعدما قضى على السرطان يعيش لوحده في بلاد السويد الباردة .. عبداللطيف الحسيني. وحده في هانوفر ، عنايت عطّار Inayat Attar منذ كان بعمري في الخمسين و هو يعيش وحده في أنجييه في فرنسا .. يرسم الدنيا و يرسم الحياة ، مها حسن Maha Hassan تقلب وحدتها في باريس لوحدها .. مصطفى سعيد منتهياً و مستسلما في قلب امستردام..
هل أتابع العد و اقول مررروان خورررشيد أيضاً يعيش لوحده على بحر الشمال أم أنكم تعرفون هذه البديهية ؟.
و كلنا كلنا سيموت لوحده ثم صديق مثل يعرب العيسى سيكتشف موتنا .. يكتشف البديهية الأخرى .. بديهية الموت فتبدأون بالرثاء.
نحن يا سادة بديهية هذه الحياة ، نحبّ الحياة و نحبّها حتّى أكثر منكم ، لكننا نتخلى عنها أو عن جزء منها لصالح الكتاب .
الكتاب الذي تكفرون بحقه ليل نهار …
نحن يا سادة بديهية الحياة مثل بديهية الخبز و الورد و العشب و الأشجار و الغابات و الأنهار و البحار و بديهية الأرض و السماء .. نحن مثل بديهية وجود ميريمن بريف عفرين ، مثل بديهية أورم الصغرى في حلب ، و مثل بديهية وجود تيرمعلة في حمص ، بديهية وجود عامودا في قامشلو ، مثل بديهية وجود سلقين و سراقب في ادلب ، نحن مثل بديهية وجود برمجة و ماتينووو و دميليو ، مثل بديهية جويق و معبطلي و جنديرس و كفر جنة ، نحن مثل بديهية حلب و حمص و الشام و كل المدن التي في قلب رخامها تكمن الحياة ، نحن يا سادة مثل بديهية وجود عفرين و الحياة.
نحن يا سادة حين نموت تضجُّ الحياة بنا ، و كلكم ترون كيف خالد حين مات بقلبه ضجّت الحياة ، الا ترون كيف تحبّونه ؟ كيف تتألمون لرحيله ؟ .. كيف تتذوقون عذابات غيابه ؟
نحن يا سادة ، سادة المراثي لا نحبّ أن يرثينا إلا سادة الأرض و السماء ، السادة الذين أشار إليهم نيتسه ، نحن لا نحبّ الضعفاء.
لذلك لملموا عزاء خالد بسرعة و إلا ساأنشر صوت حسن خليفة شقيق خالد و هو يقول أنا لاحق خالد يا مروان.
هل تعرفون حسن اين كان ساعة مات قلبه في دمشق ؟
هل تعرفون أنه كان يطير في السماء بين دنمارك و مصر ليحطّ في القاهرة بعد 30 سنة من اللجوء في بلاد هولندا.
قبل أن يرحل خالد بيومين قال لي حسن : لقد تعبت يا مروان من البحث عن الاوطان ، و قررت أن اكمل حياتي في القاهرة حتى لا اموت وحيداً مثلكم في مدن الضباب .. و ضحكنا.
لملموا عزاء خالد بسرعة فهناك في شمال كوبنهاجن سميرة خليفة شقيقته تعد نفسها أيضا للغياب.
لملموا يا مثقفي العالم العزاء بسرعة .. لملموا فقد تعبت من أرشفة كتاباتكم عن خالد .. و كذب بعضكم المنافق.
لملموا عزاء خالد يا سادة فهناك أناس يعدون أجسادهم و أرواحهم للعزاء.
نشرت على صفحة مروان خورشيد هنا