نُزهة على ضفاف الموت .. قراءة لـ ”الموت عمل شاق“ لخالد خليفة

خالد خليفة وغلاف الطبعة العربية لـ “الموت عمل شاق”

في رواية “الموت عمل شاق” لخالد خليفة يحتفظ طيلة النص برائحة الموت، يتناول العالم وقد أطفأ أنواره، ويواجه الموت في مشهد واحد تتشظى منه جميع الحكايات، الموت في الحروب حيث لا نصادف غيررجل أعمى لا وقت لديه لتأمل ضحاياه.

يبدأ الراوي بسطره الأخير في هذه اللحظة التي يجتاح الموت أحد الثوَّار، ويتولَّى ابنه نبيل تنفيذ وصيته بأن يصطحب جسده في رحلة للبلدة الأم ليُدفن هناك، في نهاية السرد يلح علينا ألف تساؤل: تُرى مَن هو هذا السالم الذي تسربل بالموت منذ اللحظة الأولى بالحكي، أي إزاحة تعمَّدها خليفة في كتابته عن جسد تفسَّخ، وأبناء قُتلوا أحياءً .. تغمر الأليغوريا نص “الموت عمل شاق”؛ بدايةً بالوطن الذي تفسَّخ بعربة لا تحمل بوصلة الوصول، مرورًا بالأبناء الذين اختاروا الفُرقة والعراك دون الالتفات لمرارة لحظتهم واستحالة إتمامهم لوصية الأب، ونهاية بنبيل الذي يمنحنا التساؤل الأم: ما قيمة فلسفاتنا التي لم تمنحنا سوى رغبة عنيفة في الانزواء، ما قيمة الفلسفة التي استهوت نبيل لتنتهي به لغريب أبدي ويتيم كوني حلَّ ميتًا ما أن تفتَّحت عيناه.

المسافة التي تُقطع في ساعتين ونصف صارت لا تنتهي، صار الوصول مستحيلاً والهزائم مدرَجة بمخيلة الجميع طالما صار الموت مَذْهبًا، والفوضى عملاً يستحق النضال..

في مشهد عابر يرصد خليفة نشوة تنتاب الجميع، يضحكون دون عِلَّة، ودون وعي .. مشهد جنوني يأخذنا بعيدًا حيث غريب كامو الذي يلهو بجوار محبوبته على أحد الشواطيء بعدما انتهى للتو من توديع جسد أمه.

الجنون في نص خليفة هناك أيضًا حين يحكي لنا عن آخر حواجز الجيش النظامي والذي يقف في مواجهة أول حاجز للجيش الحر، هناك حيث يُديرون اشتباكات وهمية كي ينعم الجميع بلحظات هادئة، لا موت فيها.

ماذا يحدث هناك؟ .. كلما تمادى الراوي في الحكي كلما ازدادت الظُلمة وغيَّم السرد بكآبة لا مثيل لها .. هل يُمكن لنا إدارة آلامنا بمثل هذه القسوة ؟.

هل كان الموت عبء من البداية أم أنه كان خلاصًا؟

وحده عبداللطيف السالم الأب كان حيًا منذ اللحظة الأولى التي امتلك فيها ناصية حريته ولم يجد مبررًا لأن يعيش خائفًا، وجد حريته حين وجد حاجته لأن ينظر باستعلاء ينم عن كراهيته لأحد جنود النظام السوري، وحين أحال الموت لولادة ينتهي بها شقاء عمر قُضي تحت هيمنة مستبد، ووحدهم الأبناء كانوا موتى محاصرين بِعَته مخاوفهم وتيه خلافاتهم ..

نشرت على فايسبوك هنا

المصدر
فايسبوك
زر الذهاب إلى الأعلى