يا وَجع ..
ما كل هذا الموت يا خالد، ألا تكفينا الصور والمشاهد المتلفزة ومنصات التواصل الإجتماعي، لماذا تريد أن تكون من بين الذي يوثّقون حكايات الموت، دعه يمضي إلى النسيان يا عزيزي.
من السوريالية، أن يكون “الموت عمل شاق” في بلد لا تجيد فعل شيء منذ ثلاث سنوات سوى الموت. في بلد، توقف عداد الموتى فيها منذ الأشهر الأولى، حين لم يستطع الديكتاتور أن يتقبل الصوت الآخر، فدهسه. وازدادت الأرقام صعودا، حين لم تقبل الفصائل المسلحة بخيار السلميّة والمدنيّة، فتشاركت مع الجلاد بالقتل.
أن تحمل جثّة “والدك” لأنك اقترفت خطأ حين وعدته بتنفيذ وصيته، وتسير كتفا إلى كتف مع مشاكل عائلية هربت منها لسنوات، وكبرت وهي بعيدة عنك، تسير على خطٍ زمنية اشدّ بأسا وألما من درب الآلام التي سلكها المسيح في الروايات، إنه فعلا ضربٌ من الجنون.
“بلبل” (أو نبيل) و”حسين” و”فاطمة” يحملون صليبهم – جثة والدهم – ويمرون فوق قصص العذاب والذل التي سمعنا عنها ولم يتقبلها عقلنا، فرأيناها بين أسطر رواية “خالد خليفة” موثّقة وواضحة ومفصّلة، وكأنه يقول للعالم، إذا كان ولا بد أن يهرب الجناة من المحاكمة، فأنا نصّبت محكمتي هذه على إمتداد مئة وستين صفحة، فردتها لأروي قصة خيالية تجري أحداثها في عالم واقعي، إسمه “سوريا” وجريمته أن شعبه قال يوما: “بدنا حريّة”.
يمرّ “الميكروباص” من حاجز إلى آخر، من هالكِ إلى مالكِ إلى قاتلٍ إلى متشدد، والموت يطفو فوق أجساد الموتى، ويقول لهم، إن كانوا أولادكم لا يقدرون جثثكم، فها هم أبنائي يحملونني فوق الموت إلى الموت بعد الموت.