عن دار نوفل – هاشيت أنطوان العربية للنشر في بيروت، صدرت رواية جديدة للكاتب السوري خالد خليفة، بعنوان “الموت عمل شاق”، وذلك بالتزامن مع معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته الأخيرة.
ترصد رواية “الموت عمل شاق” لخالد خليفة، جوانب عديدة في حياة الأسرة السوريّة في ظل الظروف العصيبة التي تمرّ بها تلك البلاد.
في روايته هذه، لا يغادر خالد خليفة بلاده سوريا، التي تمثل قلب الحدث، تماما كما في عمليه السابقين “مديح الكراهية”، الصادر سنة 2006، و”لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” الصادرة سنة 2013. إذ تدور أحداث الرواية داخل سوريا القابعة بين فكّي الحرب، والخراب. ومع ذلك يرى خليفة أن ما يحدث في بلده الآن هو جزء من المستقبل.
تقع الرواية في 160 صفحة، وتروي حكاية عائلة تفقد الأب في خضم الأحداث الدموية العاصفة التي تمرّ بها البلاد، فيما السيّارة تشقّ طريقها من الشام إلى العنابيّة في الريف الدمشقيّ.. السيارة بداخلها الجثّة، ورجلان وامرأة، يلفّهم صمت متوجّس، وفي الخارج حرب ضارية لم تشبع بعد من الضحايا الذين أوقعتهم هنا وهناك. حواجز كثيرة سيكون على هذه العائلة اجتيازها على الأرض تنفيذا لوصيّة الأب بدفنه في تراب قريته، وحواجز أخرى نفسيّة بين الأحياء الثلاثة، ليس اجتيازها أقلّ صعوبة.
هذه ليست رحلة لدفن جثمان أب، بل هي رحلة لاكتشاف الذات، وكم أنّ الموت عمل شاقّ، إنّها رواية عن قوّة الحياة، لكنّ الموت هنا ذريعة ليس أكثر، نعم، هذه الرواية في سردياتها ومرجآتها الحكائية تسعى إلى “تبئير” المنجز النَّصِّي، عبر الاتكاء على مسرودات واقعية أو وقائعية نظرا إلى تشعب المتن، وتداخل الأصوات السردية، بين بلبل وحسين ونفين وفاطمة، ثمة خيوط لمحاولة انكشاف الوصية الأخيرة، بما يعني ذلك من مطبات، وما يرافقها من إبحار في الذات الفردية والجمعية.
تنبني رواية “الموت عمل شاق” أساسا على حركية الشخوص التي تمثل بؤرة الحدث، وكأننا إزاء كاميرا رقمية ترصد السكنات والحركات، ولا سيما أن الروائي مفتون بالصورة، وهذا لا يعني أننا إزاء عمل تصويري توثيقي بالمعنى المتداول للصورة، لكنها، تتغذى من تقنيات السينما والكتابة الحوارية واستنطاق الدواخل بما تعرفه من قوة واحتدام ومكابدة، الرواية إذن، هي رصد لحالة موت تتفرع عنها حالات كثيرة، وتؤطرها الأبعاد النفسية أكثر فأكثر، دون إغفال الجانب المهم والجوهري في هذه الرواية، وهو هذا التقابل بين وجهين متناقضين: الحياة في مقابل سطوة الموت.
وهنا لا بدّ أن نتساءل في خضم هذه المخاضات العسيرة عن العزف المنفرد على إيقاع الدم والموت.
ما يمكننا قوله هو، إن واقع الحرب والدمار كان له بالغ الأثر في المتن الروائي السوري عموما، ولدى خليفة بشكل خاص، إنها الرحلة في عالم موبوء، بحثا عن عشبة جلجامش، عن الوجود المفقود، المطموس بقوة الموت وسطوة الواقع، ومهما يكن، فإن المادة الروائية لا بدّ لها من هذا الاتكاء على الواقع من أجل إخصاب العمل السردي، والوصول به إلى أعلى درجات التفاعل مع المتلقي.
نشرت على موقع صحيفة العرب هنا