خالد خليفة: لمحة عن الكاتب السوري الراحل صانع الحياة والأمل

أثار نبأ وفاة الروائي السوري المعروف خالد خليفة الصدمة في أوساط من عرفوه شخصياً، أو من خلال كتاباته في الوطن والشتات. وتوفي خالد في منزله بدمشق بعد تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة عن عمر ناهز 59 عاماً.

التقيت بخالد خليفة في دمشق في بداية تسعينيات القرن الماضي، في الوقت الذي بدأ صيته ككاتب سيناريو يذيع في الأوساط، وعلى الفور أصبحنا صديقين مقربين.

وبدأت مسيرته المهنية كمؤلف روائي أيضاً في حدود ذلك الوقت تقريباً، وذلك من خلال روايته الأولى “حارس الخديعة”. ثم بدأ لاحقاً بكتابة المسلسلات الدرامية للتلفزيون، ونال الإشادة على المسلسل الذي حظي بشعبية كبيرة “سيرة آل الجلالي”.

وتُوج مجد خليفة عندما فاز بجائزة نجيب محفوظ المرموقة في الأدب في 2013 عن روايته “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”، التي تُرجمت إلى ست لغات.

وبعد ذلك بثلاث سنوات، رُشحت رواية أخرى من رواياته هي “الموت عمل شاق”، التي تتحدث عن الرحلة التي قطعتها جثة أب متوفى لكي تُدفن في مسقط رأسه خلال الحرب الأهلية في سوريا، لنيل جائزة الكتاب الوطني في الولايات المتحدة.

لكن خالد حظي بالاحتفاء به في الوطن لأسباب تتخطى عمله الأدبي.

فصديقي كان يتمتع بشخصية أكبر من الحياة نفسها، والتي ظهرت عندما مشى في شوارع دمشق محيياً الجميع وكأنهم أفراد عائلته.

خالد خليفة ولينا سنجاب في دمشق 2020

ولد خالد خليفة في ليلة رأس سنة جديدة، وهو أمر قال إنه ترك أثره على شخصيته وملأه بفرحة الحياة.

وكان بشعره الأشيب ولحيته الداكنة الجذور يبدو أحياناً وكأنه شخص يعيش في البراري، وأي شيء كان يفعله، كان يصل فيه إلى منتهاه.

وعندما كان يشرب، كان يثمل بغرض الاستمتاع، وعندما كان يطبخ الطعام، كان يخلق الفوضى حوله في المكان، واضعاً المنكهات والمكونات معاً حتى يصل إلى الطبق المثالي. وعندما كان يكتب، كانت مهارته في بث الحياة في شخوص رواياته تثير الإعجاب والانبهار.

كان خالد كريماً مع الآخرين وتمتع بالتقدير الذي جلبه له عمله أينما كان يذهب أو يحل، لكنه مع ذلك احتفظ ببراءة كبراءة الأطفال.

وعلى الرغم من مكانته الوطنية في سوريا، إلا أنه ظل متمسكاً بمبادئه وبقي موقفه من الديكتاتورية والحرية واضحاً على الدوام.

“سننتصر”

عندما بدأت الثورة في سوريا في 2011، اعتقد خالد بحماس أن الاحتجاجات التي بدأت سلمية ستجلب التغيير.

وكان خالد الذي اعتاد الجلوس في مقهى الهافانا في قلب دمشق مقتنعاً أن التغيير وشيك.

وقال لي في إحدى المرات التي التقيته فيها: “أراهن أن الثورة ستبدأ في مسقط رأسي حلب وأن الأمر سيستغرق أسبوعين بالنسبة لنا نحن السوريين كي نحصل على حريتنا”.

وحين التقيته مرة أخرى، انفجر بالضحك، وقال: “لقد خسرت الرهان، وأستمرُ في الخسارة. لكننا لن نفقد الأمل، سننتصر في يوم ما”.

جموع المعزين في جنازة خالد خليفة الاثنين ودعته بالدموع والتصفيق

وحتى بعد أن تعرض للضرب من قبل شبيحة النظام السوري في إحدى الجنازات في 2012 وعانى من كسر في الذراع، ظل متمسكاً بموقفه ولم يردعه ذلك.

كان خالد صانع الفرح والأمل. فطوال الأعوام العشرة الماضية، وعلى الرغم من حزنه العميق على دمار حلب وهجرة سكانها، إلا أنه أبقى على شعلة الأمل داخله بأن تتغير الأوضاع.

وكان مصراً على عدم مغادرة دمشق، التي انتقل إليها في أواخر التسعينيات. وطوال سنوات، شاهد من نافذة منزله ضواحي العاصمة وهي تُقصف، وشعر بالعجز إزاء الحرب.

وفي عام 2014، وُجهت دعوة لخالد كي يشارك في برنامج للكُتّاب في جامعة هارفارد لمدة عامين. ولكن عندما بدأ البرنامج هناك، دخل في حالة اكتئاب وحنين إلى دمشق التي لم يستطع تحمل العيش بعيداً عنها. فانسحب من البرنامج وعاد إلى الوطن.

“هذا وطني”

وفي مقابلة أجريتها معه من أجل فيلم قصير أخرجته في عام 2019، أخبرني خالد أنه وعلى الرغم من أنه يشعر بأنه منفي داخل بلاده، فإنه لا يستطيع أن يبدأ حياة جديدة في أي مكان آخر.

وقال: “هذا وطني، وهذه بلادي، التي تحتضن قبر أمي. لا أريد أن أعيش في أي مكان آخر. لا أريد أن أخلق ذكريات جديدة”.

وكان يخاف دائماً من أن يأتي أجله غريباً في مكان آخر من العالم وكان على الدوام يريد من أصدقائه أن يعودوا إلى دمشق.

وقد ووري الثرى يوم الاثنين في دمشق محاطاً بالعشرات من أصدقائه وأحبابه، وبحشد من الجماهير التي ودعته بالدموع والتصفيق.

لقد لامس خليفة مشاعر الكثيرين من الناس، وسيظل اسمه محفوراً في الذاكرة لما خلفه من إبداعات، ولقلبه الطيب الذي كان عامراً بالحب.

نشرت على BBC هنا

المصدر
BBC
زر الذهاب إلى الأعلى